وقوله: ( إنما يأمركم بالسوء والفحشاء ) وذلك هو دأب الشيطان ،أن يحفز الناس للأعمال السيئة ويوحي إليهم في ترغيب مستديم بفعل المنكرات والفواحش من خلال مسالك ملتوية ،وذلك هو ديدن الشيطان الخبيث المتدسس وهو يلج إلى مداخل النفس الإنسانية ليسول لها السوء والفحشاء .والسوء أو المساءة أو السيئة كل مخالفة عن أمر الله ،أو اقتراف لمعصية من المعاصي ما يقود أخيرا إلى سوء العاقبة .
والفحشاء لغة القبح ،والفاحش كل شيء جاوز الحد ،ومنه الغبن الفاحش وذلك إذا جاوزت الزيادة ما يعتاده الناس{[176]} .
والمقصود بالفاحشة أو الفحشاء ما نهت عنه الشريعة ،وغالبا ما تردد في القرآن بمعنى الزنا ،وقيل: السوء ما لا حد فيه ،أما الفحشاء ما وجب فيه الحد .
وقوله: ( وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) جملة أن تقولوا في محل جر معطوف على السوء والفحشاء ،فإن الشيطان لا يكتفي أن يغري عبيده وأتباعه من البشر بفعل السوء والفحشاء ،ولكنه يذهب إلى أشد من ذلك إجراما ونكرا وهو التسويل لهؤلاء العبيد والأتباع أن يفتروا على الله الكذب بمختلف الوجوه .فيقولوا هذا حلال وهذا حرام حرام بغير علم .وقيل: بل المراد أولئك الذين حرموا على أنفسكم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام فجعلوه شرعا لهم افتراء على الله .وغير ذلك من وجوه الافتراء على الله ،سواء باصطناع الأقوال أو الآراء أو الشرائع أو المذاهب أو النحل التي تنسب إلى الله كذبا وزورا مما نسمعه أو نشاهده أو نقرأ عنه كثيرا ،في هذا الزمان وفي الأزمنة الفائتة .وذلك هو القول على الله بغير علم يحفز الشيطان عبيده وأتباعه لاصطناعه ؛ليكونوا ظالمين مفترين ،وليثيروا في الناس أسباب الشك والخلط والبلبلة ،وليعيثوا في الأرض تشويها وإفسادا .