ولقد ذكر الله تعالى أن الشيطان لا يكون منه خير قط ، بل سوء وفحشاء ، وما لا يكون فطريا ، فقال تعالى معللا النهي عن اتباع خطواته:{ إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} .
الأمر هنا من الشيطان هو الغواية القوية ، كما قال مخاطبا ربه:{ لأغوينهم أجمعين 82 إلا عبادك منهم المخلصين 83} [ ص] . ولما كان أهل الغواية يطيعونه شبه بالأمر فعبر عنه بالأمر ، والسوء:هو ما يسوء وتكون عاقبته السوءى ، سواء أكانت السوءى في النفس ، فتسوء الأنفس ، أم كانت الإساءة للمجتمع ، فالسوء هو ما يكون فيه فساد وهو ضد المصلحة التي يأمر بها الله تعالى ، وإذا كان إغواء الشيطان بما يسوء خاصة وعامة بلا ريب يكون مقتا للنفس وللجماعة وللأخلاق أن تتبع خطواته ، لأنها إلى ضرر لا محالة .
ويأمر أيضا بالفحشاء أي يغوي بها ، والفحشاء من الفحش والأمر الفاحش ، وهو الذي يكون خارجا عن الفطرة المستقيمة ، إذ الأمر الفاحش هو الزائد زيادة كبيرة ، والفحشاء باعتبارها خروجا على الفطرة الإنسانية تعم المعاصي كلها من زنى وشرب خمر ، وسعي في الأرض بالفساد ، والإيقاع بين الناس بالنميمة والغيبة ، وغير ذلك من المعاصي النفسية واللسانية والاجتماعية ، وتطلق في كثير من آيات القرآن على الزنى فقط ، كقوله تعالى:{ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا 15} [ النساء] .
وتطلق الفحشاء على المعاصي الكبيرة التي تزيد عن المعقول ، ومن ذلك قوله تعالى:{ إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون 90} [ النحل] .
فالشيطان لا يأمر إلا بما فيه مفسدة تسوء الآحاد والجماعات وإلا بالمعاصي التي تفحش حتى لا يستسيغها عاقل إلا من يكون الشيطان قد أغواه .
ويأمر الشيطان أيضا ، أي يغوي ويضل على ما فسرنا معنى الأمر ، بأن يحرموا على أنفسهم ما لا يعلمون أن الله حرمه ، ويقولون على الله تعالى ما لا يعلمون له دليلا من عند الله ، ولذا قال تعالى في الأمر الثالث الذي يغوي به الشيطان بعد إغوائه بالسوء والفحشاء{ وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} أغواهم الشيطان بأن يحرموا على أنفسهم بعض الغنم من الإبل والبقر والنعم يحرمون أنواعا منها ، ويزعمون أن الله تعالى حرمها عليهم من غير حجة من عند الله ، كما أشركوا وادعوا أن الله تعالى لا يكره ذلك ، ولو كان يكرهه لمنعها ، وقال الله تعالى في ذلك:{ سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء{[143]} كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون 148} [ الأنعام] ، فالشيطان كما سول لهم الشرك بالله تعالى سول لهم أيضا أن يحرموا على أنفسهم ما لم يحرم الله ونسبوا ذلك لله تعالى ، وهذا تطاول على الله تعالى كتطاول الشرك ، إذ يقولون على الله ما لا يعلمون أنه قاله وحكم به ، بظن آثم من عندهم ، ولقد قال الله في جملة ما حرم:{ قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون 33} [ الأعراف] .
ونرى من هذا أن الشيطان يأمر بنقيض ما يأمر الله تعالى ، وأن الشيطان يغري بالظنون الفاسدة ، التي لا أصل لها ، وأن من أقبح ما يقع فيه الإنسان ، أن يحل ويحرم ، وينسب إلى الله تعالى قوله كما قال تعالى:{ ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون 116 متاع قليل ولهم عذاب أليم 117} [ النحل] .