قوله تعالى: ( سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينات ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب ) ( سل ) من السؤال وأصلها اسأل ،حذفت الهمزة وحركت السين فلا حاجة للألف فصارت سل .والفاعل ضمير يعود على المخاطب وهو الرسول ( ص ) ( بني ) مفعول به منصوب بالياء .( إسرائيل ) مضاف إليه .( كم ) في محل نصب مفعول به ثان مقدم للفعل آتينا .والضمير في آتيناهم في محل نصب مفعول به والميم للجمع .( من آياته ) .( من ) حرف جر زائد .( آية ) تمييز .
وفي الآية إخبار عن كثرة البينات والدلائل التي أحسّها بنو إسرائيل على يدي نبيهم ومنقذهم موسى عليه السلام ،وذلك كتحول العصا إلى أفعى ،وانفلاق البحر بعد ضربه بالعصا ،ثم انبجاس الماء من الحجر الصلد بعد أن ضربه موسى بعصاه ،وكذلك تظليلهم بالغمام لوقايتهم من حر الصحراء ،وإطعامهم المن والسلوى رزقا كريما ميسورا .كل ذلك كان من جملة البراهين والآيات على صدق النبوة التي قدرها الله لكليمه موسى ،لكن ذلك لم يجد إلى أسماع بني إسرائيل أو طبائعهم وأذهانهم سبيلا ،بل صدوا عن سبيل الله ودينه صدودا وتولوا عن نداء العقل والحجة مدبرين .وذلك منهم بمثابة التبديل الأثيم لنعمة الله بالكفر والتمرد .ونعمة الله تتجلى في دينه الحق .
وقيل: المراد الإخبار عن كثرة البينات القاطعة على صدق نبوة محمد ( ص ) .فقد كانوا يتلون في كتابهم التوراة عن خبر هذا النبي الأمي وعن صفته فيعرفون عنه الخبر اليقين ،إلا أنهم ركبوا متن التعصب والحسد والشطط ،فما آمنوا ولا امتثلوا ،بل إنهم جحدوا وأنكروا هذه الحقيقة الجلية القاطعة الكبرى .وذلك هو التبديل لنعمة الله وهي الإسلام بالكفر حيث الجحود والزيغ واتباع الهوى والشهوات .
وليس من جزاء لمن يبدل نعمة الحق بالباطل إلا أن يبوء بإثمه الكبير لتكون عاقبته الهوان والتخسير ؛لذلك قال: ( ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب ) .