قد يكون الحديث عن المستقبل في واقع هؤلاء الذين يتحدّث اللّه عنهم بالزلل والانحراف ،غير كافٍ في إبعادهم عن ضلالهم ،فربما يكون للحديث عن الماضيكتجربة حيّة للآخرين من موقع التجربة نفسها التي يعيشها هؤلاءبعض الأثر .فقد كان تاريخ بني إسرائيل ماثلاً أمام النّاس في كلّ ما واجههم من قضايا الكفر والإيمان مع أنبيائهم ،وفي كلّ ما فعلوه ضدّ مسيرة النبوّة في تاريخهم القلق الدامي ؛فلعلّ هذه الآية أرادت أن تطلب من هؤلاء النّاس ،بأسلوب الطلب من النبيّ ( ص ) أن يجلسوا إلى بقاياهم ويسألوهم ،هل كان هناك نقص في البيّنات التي أنزلها اللّه عليهم ؟!وليس المراد به الاستفهام ،بل المقصود هو تقرير الحقيقة من خلاله ،فإنَّ اللّه قد أرسل إليهم رسلاً كثيرين بالحجج الواضحة ،فكذّبوا واستكبروا وواجهوا عقاب اللّه .
ثُمَّ تعطي الآية الإيحاء بأنَّ البينة التي توضح للإنسان طريق الحقّ ،هي من نعم اللّه التي أنعمها على الإنسان ،وأراد منه أن ينسجم معها ،ويستجيب لها ،ولا يبدلها بالضلال في القول والعمل ،فإنه إذا بدّل الحقّ الذي توحي به الحجّة بالباطل الذي لا حجة عليه ،فعليه أن ينتظر عقاب اللّه ،فلا يستسلم للاسترخاء بالشعور برحمة اللّه ،فإنَّ اللّه شديد العقاب في موضع النكال والنقمة ،كما هو أرحم الراحمين في موضع العفو والرحمة .وربما تكون الإشارة إلى بني إسرائيل وتاريخهم المتمرّد ،لوناً من ألوان الحديث عن خطوات الشيطان في إضلاله وفي إغوائه .
] سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ[ هؤلاء الذين يمثّلون نموذجاً من الأمم التي تعيش التمزّق الروحي والاجتماعي والضلال الديني ،] كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ[ من البيّنات التي توضح لهم الحقيقة وتقودهم إلى الإيمان ؟!وتلك هي النعمة التي ينبغي لهم أن يشكروها ،وينفتحوا على اللّه من خلالها ،فلا يكفروها .] وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّه[ في الإيمان] مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ[ في وحي اللّه وفي حركة الرسل ؛] فَإِنَّ اللّه شَدِيدُ الْعِقَابِ[ في الدنيا من خلال السنّة التاريخية التي تربط النتيجة بالمقدّمات .فالكفر بنعمة الإيمان يجتذب النتائج السلبية على واقع الإنسان ،لأنه يبتعد به عن الخطّ المستقيم الذي يؤدي إلى الخير والسعادة والاطمئنان ،وذلك من خلال ما أودعه اللّه في الحياة الإنسانية من سننه التاريخية التي لا بُدَّ للنّاس من أن يأخذوا بها ليتعرفوا منهج الحياة في ما يقبلون عليه من خير أو شرّ .وهو شديد العقاب في الآخرة جزاءً على كفرهم بالحقّ لما جاءهم ،وانحرافهم عمّا يفرضه عليهم في سلوكهم في أنفسهم وفي واقع النّاس ومع اللّه .