وقوله: (ثم عفونا عنكم من بعد ذلك) العفو معناه المحو والإسقاط ،نقول عفا الله عنك أي محا ذنوبك ،وعفوت عنك الحق أي أسقطته عنك ،نقول عافاه الله أي محا عنه الأسقام وتأتي عفا أيضا بمعنى كثر ،نقول عفا الشيء أي كثر وزاد ،وفي الآية الكريمة (حتى عفوا) أي كثروا وفي الحديث الشريف ، "أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى "أي اتركوها لكي تكثر وتطول .
والفرق بين المغفرة والعفو ،أن الأولى تكون من غير ذنوب قارفها العبد ،لكن العفو يمكن أن يكون بعد مقارفة العبد للذنوب ،وعلى هذا فقد عفا الله عن بني إسرائيل بعد أن ارتكبوا أسوأ جريرة وهي عبادتهم للعجل ،وكان ذلك بعد أن أرهقهم الله بتكليف يؤدونه ليكون لهم عند الله توبة عوضا عن إفراطهم في اتخاذهم العجل إلها ،فكان التكليف أن يقتلوا جميعا فيضرب رقاب بعض على نحو ما سنبينه في موضعه من هذه السورة إن شاء الله .
قوله: (لعلكم تشكرون) كاف للمخاطب في (لعلكم) في محل نصب اسم لعل والميم للجمع ،والجملة الفعلية في قوله: (تشكرون) في محل رفع خبر لعل ،والشكر هو الاعتراف بالنعمة عن طريق القول والفعل ،أما القول فهو دوام النطق والإقرار بنعمة الله بوساطة اللسان ،والفعل يتحقق بأداء الطاعات وتجنب المعاصي ،ونقيض الشكر الكفر وهو الجحود ونكران النعمة والجميل ،وفي الحديث"لا يشكر الله من لا يشكر الناس "ومن الشكر الشكران ونقيضه الكفران .
لقد عفا الله عن بني إسرائيل ما اقترفوه من جريمة الإشراك بعد أن أرهقهم بعذاب الاقتتال عسى أن يكون ذلك باعثا لهم على الفيئة إلى الله والاعتراف بأنعمه التي أسبغها عليهم فيكونوا بذلك له من الشاكرين .