قوله تعالى:{وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون ( 18 ) فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون ( 19 ) وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين ( 20 ) وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون ( 21 ) وعليها وعلى الفلك تحملون ( 22 )} هذا إخبار من الله عن إنعامه على عباده .وهو إنعام كثير ومنبسط ومستفيض لا يعد ولا يحصى .ويأتي في طليعة ما أنعم الله به على الناس إنزاله القطر من السماء ( بقدر ) أي بحسب الحاجة للعباد فلا يكون كثيرا كثرة تفسد الأرض والحرث والعمران .ولا يكون قليلا قلة يظمأ بها الناس والأنعام وتفسد الحروث والنبات .لا جرم أن هذا دليل على حقيقة الصانع القادر الذي خلق كل شيء بقدر .فلا فوضى ولا خبط ولا عشوائية وإنما خلق دقيق ومقدور وموزون من غير زيادة ولا نقصان .كل ذلك يدل على عظمة اللطيف الخبير .
قوله: ( فأسكناه في الأرض ) أي جعلنا الماء النازل من السماء يستقر في الأرض فيمتلئ به جوفها ،ومن ثم تتفجر الأنهار والآبار والينابيع والعيون لتكون ثجّاجة يفيض منها الماء العذب الصافي فيضا فتستقي منه الأراضي وما فيها مغروسات ومزروعات ويستقي منه العباد والدواب .
قوله: ( وإنا على ذهاب به لقادرون ) من فضل الله ونعمته على الخلق أن سلك الماء في ثنايا الأرض فجعله مخزونا قريبا من سطحها ،ليسهل أخذه والانتفاع به .والله جل وعلا قادر على إذهاب الماء بمختلف وجوه الإذهاب والصرف .وذلك كجعله يغور في أعماق الأرض إلى المدى الذي لا يوصل فلا ينتفع به أحد ،فيتضرر الناس وسائر الأحياء .