وأشارت الآية التالية إلى أحد مظاهر القدرة الإلهيّة ،الذي يعتبر من بركات السموات والأرض ،ألا وهو المطر ،حيث تقول: ( وأنزلنا من السّماء ماءً بقدر ) .
أنزلنا المطر بقدر لا يغرق الأرض من كثرته ،وليس قليلا بحيث لا يكفي لري النباتات والحيوانات .أجل لو انتقلنا من البحث حول السّماء إلى الأرض لوجدنا الماء من أهمّ الهبات الإلهيّة ،وأصل حياة جميع المخلوقات ،وبهذا الصدد أشارت الآية إلى قضيّة أكثر أهميّة ،هي قضيّة احتياطي المياه الجوفية فتقول: ( فأسكناه في الأرض وإنّا على ذهاب به لقادرون ) .
نحن نعلم أنّ القشرة السطحيّة من الأرض تتكوّن من طبقتين مختلفتين: إحداهما نفوذية وأُخرى غير نفوذية .ولو كانت القشرة الأرضية جميعاً نفوذية لنفد المطر إلى جوف الأرض فوراً ،ثمّ يظهر الجفاف بعد هطول المطر وإن استغرق مدّة طويلة ..حيث لا نعثر على ذرّة من الماء !
ولو كان سطح الأرض من طين أحمر لبقي المطر فوق سطح الأرض وتلوّث وتعفّن وشدّد الخناق على الإنسان ،وأصبح سبباً لموت الإنسان في الوقت الذي هو أصل الحياة .
إلاّ أنّ الله الرحيم جعل القشرة الأُولى من سطح الأرض نافذةً ،وتليها قشرة غير نافذة تحافظ على المياه الجوفية ،فتكون احتياطاً للبشر يستخرجها عند الحاجة عن طريق الآبار ،أو تخرج بذاتها عن طريق العيون ،دون أن تفسد أو توجّه للإنسان أقلّ أذى{[2692]} .
ويحتمل أن يكون هذا الماء الذي نرتوي به بعد إخراجه من أعماق الأرض من قطرات مطر نزل قبل آلاف السنين وخزن في أعماق الأرض حتّى اليوم ،دون أن يتعرّض لتلوّث أو فساد .
وعلى كلّ حال فإنّ الذي خلق الإنسان ليحيا ،وجعل الماء أساساً لحياته ،بل أكثرها أهميّة ،خلق له مصادر كثيرة من هذه المادّة الحيوية وخزنها له قبل أن يخلقه !وبالطبع هناك احتياطي من هذه المادّة الحيوية فوق قمم الجبال ( على شكل ثلوج ) .تراه يذوب خلال السنة وينحدر إلى السهور ،وقسم آخر لا زال فوق قمم الجبال منذ مئات بل آلاف السنين ،ينتظر الأمر بالذوبان على أثر تغيير حرارة الجو لينحدر إلى السهول والوديان ليروي الأرض ويزيل العطش عنها .
وبملاحظة حرف الجر «في » في عبارة «في الأرض » يبدو لنا أنّ الآية تشير إلى مصادر المياه الجوفية وليس السطحية .