التّفسير
مرّة أُخرى مع علائم التوحيد:
قلنا: إنّ القرآن تناول سبل كسب الإيمان بعد ذكر صفات المؤمنين ،كما تحدّثت الآيات السابقة عن آيات الله العظيمة في وجودنا ،وتناولت هذه الآيات بعدها عالم الظاهر وآفاق الكون وعظمة خلق الأرض والسموات ،حيث قالت الآية الأُولى: ( ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق ) .
و «الطرائق » جمع «طريقة » بمعنى سبيل أو طبقة ،ولو أجزنا المعنى الأوّل للطرائق ،يصبح معنى الآية ،أنّنا خلقنا فوقكم سبلا سبعة ،ويمكن أن تفسّر بأنّها سبل مرور الملائكة ،كما يمكن أن تكون مدارات لنجوم السّماء ،وبحسب المعنى الثّاني للطرائق ،فإنّ الآية تعني طبقات السّماء السبع .
وقد تحدّثنا عن السماوات السبع قبل هذا كثيراً ،وإذا كان القصد من العدد «سبعة » الكثرة ،فيكون معنى الآية أنّنا خلقنا فوقكم عوالم كثيرة من النجوم والكواكب والسيارات ،وعبارة الطبقة لا تعني نظرية «بطلميوس » الذي صوّرها وكأنّها قشرة بصل الواحدة فوق الأخرى .فإنّ القرآن لم يقصد هذا المعنى أبداً ،بل يقصد بالطرائق والطبقات العوالم التي تحيط بالأرض بفواصل محدّدة ،وهي بالنسبة لنا الواحدة فوق الأخرى ،بعضها قريب والبعض الآخر بعيد عنّا .وإذا كان العدد «سبعة » قد استخدم في الآية للتعداد ،فتعني الآية أنّنا خلقنا ستّة عوالم فوقكم إضافة إلى عالمكم الذي ترونه ( مجموعة الثوابت والسيارات والمجرّات ) .وهذه العوالم لم يبلغها الإنسان حتّى الآن .
ولو دقّقنا بخارطة المنظومة الشمسية .وتفحّصنا مواقع السيارات المختلفة حول الشمس ،لعثرنا على تفسير آخر لهذه الآية ،هو أنّ من هذه السيارات التسع التي تدور حول الشمس ،اثنان هما عطارد والزهرة لهما مداران تحت مدار الأرض ،في الوقت الذي تتّخذ فيه السيارات الستّ الأخرى مداراتها خارج مدار الأرض ،وهي تشبه طبقات ستّ إحداها فوق الأخرى .وإضافةً إلى مدار القمر الذي يدور حول الأرض تصبح المدارات سبعة ،وكأنّها طبقات سبع{[2691]} .
وربّما يتوهّم أنّ العالم بهذه السعة والعظمة ألا يوجب أن يغفل الله تعالى عن إدارته ؟
فتجيب الآية مباشرةً ( وما كنّا عن الخلق غافلين ) .إنّ الاستناد هنا إلى مسألة الخلق ،إشارة إلى أنّ قضيّة خلق الكون بنفسها دليل على علم الله تعالى بمخلوقاته وتوجّهه إليها: فهل يمكن أن يغفل الخالق عن مخلوقاته ؟!
ويمكن أن تقصد الآية أنّنا نملك سبلا كثيرة لتردّد الملائكة من فوقكم ،ولسنا غافلين عنكم ،كما أنّ ملائكتنا مشرفة عليكم وتشهد أعمالكم .