قوله تعالى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَآئِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ} .
في قوله تعالى طرائق ،وجهان من التفسير:
أحدهما: أنها قيل لها طرائق ،لأن بعضها فوق بعض من قولهم: طارق النعل إذا صيرها طاقاً فوق طاق ،وركب بعضها عَلَى بعض ،ومنه قوله صلى الله عليه وسلم «كأن وجوههم المجان المطرقة » أي التراس التي جعلت لها طبقات بعضها فوق بعض ،ومنه قول الشاعر يصف نعلاً له مطارقة:
وطراق من خلفهن طراق *** ساقطات تلوي بها الصحراء
يعني: نعال الإبل ،ومنه قولهم: طائر طراق الريش ،ومطرقة إذا ركب بعض ريشه بعضاً ،ومنه قول زهير يصف بازياً:
أهوى لها أسفع الخدين مطرق *** ريش القوادم لم تنصب له الشبك
وقول ذي الرمة يصف بازياً أيضاً:
طراق الخوافي واقع فوق ريعه *** ندى ليله في ريشه يترقرق
وقول الآخر يصف قطاة:
سكاء مخطومة في ريشها طرق *** سود قوادمها كدر خوافيها
فعلى هذا القول فقوله{سَبْعَ طَرَآئِقَ} يوضح معناه قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً} [ نوح: 15] .
الوجه الثاني: أنها قيل لها طرائق ،لأنها طرق الملائكة في النزول والعروج ،وقيل: لأنها طرائق الكواكب في مسيرها ،وأما قول من قال قيل لها طرائق لأن الكل سماء طريقة ،وهيأة غير هيأة الأخرى وقول من قال: طرائق ؟أي مبسوطات فكلاهما ظاهر البعد ،وقوله تعالى:{وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ} قد قدمنا أن معناه كقوله{وَيُمْسِكُ السَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى الأرض} [ الحج: 65] لأن من يمسك السماء لو كان يغفل لسقطت فأهلكت الخلق كما تقدم إيضاحه وقال بعضهم{وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ} بل نحن القائمون بإصلاح جميع شؤونهم ،وتيسير كل ما يحتاجون إليه وقوله{وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَآئِقَ} يعني السموات برهان على قوله قبله{ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [ المؤمنون: 16] لأن من قدر على خلق السموات ،مع عظمها فلا شك أنه قادر على خلق الإنسان كقوله تعالى{لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [ غافر: 57] وقوله تعالى:{أَءَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَآءُ بَنَاهَا} [ النازعات: 27] .وقوله:{أَوَلَيْسَ الذي خَلَقَ السَّمَاواتِ والأرض بِقَادِرٍ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم} والآيات بمثل هذا متعددة .
وقد قدمنا براهين البعث التي هذا البرهان من جملتها ،وأكثرنا من أمثلتها وهي مذكورة هنا ،ولم نوضحها هنا لأنا أوضحناها فيما سبق في النحل والبقرة .والعلم عند الله تعالى .