خلق الكون ونعم الله على الإنسان
بعد أن بين الله تعالى خلق الإنسان ، وما فيه من عجائب تدل على قدرة الله تعالىجل وعزأخذ يبين سبحانه وتعالى خلق ما هو أكبر من الإنسان ، وما فيه حياة الإنسان ومعاشه ، وما هو مسخر له في السموات والأرض فقال تعالى:{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ ( 17 )} .
الطرائق جمع طريقة ، وهي هنا بمعنى مطروقة من طرق النقل من حيث إنها مسالك ، ومن طرق الخوافي في الطير ، بمعنى أن كل طبقة منها فوق الطبقة الأخرى ، وطرائق السماء أفلاكها ، إذ كل فلك فوق الفلك الآخر وكل مربوطة بأرسان من الجاذبية والنواميس الكونية ، بحيث تكون متماسكة ، كل نجم وكوكب فيها مشدود بالآخر ، كأن حبلا أو سلكا يمسكه ، وفسر بعض علماء الفلك هذا النص السامي بأن سبع طرائق سبعة أفلاك لكل سماء طريق يجري بما فيها من الأقمار والنجوم .
وقوله تعالى:{ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ} أي أن هذه الطرائق بما فيها من كواكب ونجوم مسخرات بأمره سبحانه يجري كل تحت رعاية الله تعالى وعينه ، وهو القائم على كل شيء يسيره بأمره سبحانه إنه عليم خبير{ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ( 14 )} [ الملك] .
ونفى سبحانه وتعالى الغفلة عن ذاته العلية ، وهي منفية بحكم علمه الكامل ولكن كان نفي الغفلة كناية عن كمال عنايته بخلقه ، وأنه يمسك السموات والأرض أن تزولا ، وأن كل الوجود تحت رعايته وعنايته ، وأنه يسير بأمره ، وعلى مقتضى إرادته النافذة ، وحكمته العالية .
وصيغة النفي تدل على أن الغفلة ليست من شأنه تعالى ، لأنه نفى الكينونة بقوله تعالى:{ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ} ، أي ليس من شأننا أن نغفل عن خلقنا ، بل نحن قائمون عليه مراقبون له محافظون عليه .