قوله:{إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم} ذلك استثناء للتائبين من بعد القذف .فإن هم ندموا على فعلهم واستغفروا ربهم وأنابوا إليه ،وتركوا العود إلى مثل ما فعلوه من القذف فإن الله يستر عليهم ما فعلوه من ذنب .
على أن الاستثناء غير عامل في جلد القاذف بالإجماع .فإذا طلب المقذوف حقه في الحد من القاذف أجابه الحاكم لا محالة .
أما عمل الاستثناء في رد الشهادة من القاذف فهو مختلف فيه .فقد ذهب فريق من العلماء إلى أن الشهادة من القاذف لا تقبل .فهي بذلك مردودة وإن تاب وإنما يزول فسقه فقط .وهو قول الحنفية وآخرين .وقال أكثر أهل العلم إن الاستثناء عامل في رد الشهادة فإذا تاب القاذف قبلت شهادته ،وزال فسقه .والأصل في هذه المسألة اختلافهم في الاستثناء إذا جاء عقيب جمل معطوفة هل يعود إلى جميعها أم إلى الجملة الأخيرة فقط{[3226]} .
ثمة أقوال ثلاثة للعلماء في ذلك:
القول الأول: إن الاستثناء يعود إلى جميع الجمل المتعاقبة بالواو .وهو قول الشافعية والمالكية والحنبلية وأهل الظاهر .وقال به أبو الحسن البصري من المعتزلة .فقد ذهب هؤلاء جميعا إلى أن الاستثناء المتصل بجمل من الكلام معطوف بعضها على بعض يجب رجوعه إلى جميع الجمل .فالآية هنا ،قد وقع الاستثناء فيها بعد ثلاث جمل .وهي: الأمر بالجلد . ثم النهي عن قبول الشهادة .ثم الإخبار بفسقهم .والاستثناء عائد إلى الجميع .وبذلك يرتفع رد الشهادة كما يرتفع التفسيق .ولا يرتفع الجلد فإنه حد .
وقد ورد التنصيص على وجوبه في الأخبار الصحيحة .واحتج هؤلاء بعدة أدلة منها ،القياس على الشرط ؛فإن الشرط إذا تعقب جملا ؛فإنه يعود على الكل فكذا الاستثناء .وقالوا أيضا: الجمل المعطوف بعضها على بعض بمنزلة الجملة الواحدة وبذلك يؤثر الاستثناء في الجميع .
القول الثاني: إن الاستثناء يرجع إلى الجملة الأخيرة فقط .وهو قول الحنفية وقال به الرازي .وبذلك فإن الاستثناء يختص بالجملة الأخيرة من الجمل المتعاقبة بالواو .واحتجوا بأن رجوع الاستثناء إلى الجملة الأخيرة مستيقن .أما رجوعه إلى ما قبلها من الجمل فهو محتمل مشكوك فيه فلا يثبت بالشك والاحتمال .
القول الثالث: التوقف .وهو مذهب الأشعري واختاره الآمدي والغزالي والباقلاني .فقد توقفوا لعدم العلم بمدلوله لغة{[3227]} .