{إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذلِكَ} وأعلنوا الندم على ما بدر منهم{وَأَصْلَحُوا} أمرهم{فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ،لأن التوبة تعني التغيير الداخلي للنوايا والأفكار والدوافع التي تقود الإنسان إلى التمرد على الله ،لتحوّله إلى الانفتاح عليه ،والقرب منه ،وممّا يريده لعباده الصالحين .
وقد تحدث المفسرون عن رجوع الاستثناء إلى الجملة الأخيرة{وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} ،لتكون التوبة غايةً للحكم بالفسق ،فلا يحكم بفسقهم بعد التوبة ،أو رجوعه إلى جميع الأحكام الموجودة في الآية ،وهي الجلد وعدم قبول الشهادة ،بالإضافة إلى الفسق ،وذلك على ضوء البحث الذي حرره الأصوليون ،من أنه إذا عقب الاستثناء جملاً متعددة ،فهل يرجع إلى الجميع أو يرجع إلى الأخيرة ؟ولعل الأوفق بقواعد الكلام أن لا يتعين شيء منهما بعد صلاحية الاستثناء لكل منهما ،ولكن رجوعه إلى الأخيرة متيقن لثبوته في كلا الحالين ..
ويقول صاحب تفسير الميزان إن الظاهر رجوعه إلى الجملة الأخيرة بحسب ما يعطيه السياق في الآية ،«لكنها لما كانت تفيد معنى التعليل بالنسبة إلى قوله{وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً}على ما يعطيه السياقكان لازم ما تفيده من ارتفاع الحكم بالفسق ارتفاع الحكم بعدم قبول الشهادة أبداً ،ولازم ذلك رجوع الاستثناء بحسب المعنى إلى الجملتين معاً »[ 2] .
وقد نلاحظ على ذلك ،أنه لا ظهور له في ما ذكره ،بل ربما نستوحي من قوله تعالى:{فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ،كنتيجةٍ للتوبة والإصلاح ،هو ارتفاع العقوبة عنهم بالجلد ،وقبول شهادتهم ،وزوال الحكم بفسقهم ،لأن ذلك هو ما يناسب الغفران والرحمة نظراً لرجوع الإنسان عن موقفه المنحرف في الإساءة إلى المقذوف ..والله العالم .