{ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا} .
الاستثناء من الحكم باستغراق الفسق ، لأن رحمة الله تتسع للعصاة الذين أذنبوا ، ولذلك ترفع عن القاذفين عقوبة عدم قبول شهادة ، وإن ذلك هو الذي يتفق مع المتبادر من السياق البياني للقرآن الكريم ، إذ إن الأمر بعدم قبول الشهادة في آية منفردة عن هذه الآية ، وهي أمر بهذا العقاب معطوف على أمر بالعقاب البدني ، وهما في جملتين إنشائيتين ، والحكم بالفسق في جملة خبر .
والرأي في المذهب الشافعي الذي يجيز قبول الشهادة إن تابوا ، قال:إن استثناء من الآيتين معا ، وقد قلنا:إننا نميل إلى رأي الجمهور في الاستثناء من الحكم بالفسق فقط ، لذكر كلمة{ أبدا} وما كان قول الله لغوا ، ولأنه المتبادر .
ولأن منع قبول الشهادة لحق الناس ولصيانة مجلس القضاء .
والاستثناء هو قوله تعالى:{ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا} فالتوبة هي الإقلاع عن هذا والعزم على ألا يعود إليه ، والندم على ما وقع ، وذلك بالشعور بالحسرة لوقوعه ، ولا بد من الإصلاح بدل الإفساد والتخريب ، فالذي تغير الفسق ، وذلك بأن يكون صالحا ، وخصوصا أن الله جل جلاله سجل عليهم وصف الفسق ، فلا يزيله إلا وصف الإصلاح .
وبين قبول توبتهم عن الفسق ، فيقول عز من قائل:{ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} وقوله تعالى:{ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} دليل على قبول التوبة ، لأن الفاء كالواقعة في جواب الشرط ، لتضمن التوبة والإصلاح معنى الشرط ، والمعنى فإن الله يقبل توبة هؤلاء الفاسقين لأن الله غفور رحيم يغفر الذنوب لمن يتوب من عباده ، ويعفو عن السيئات ، وذلك رحمة بعباده .
ونقرر أخيرا أن العقوبة بعدم قبول الشهادة أمر دنيوي نظم الله تعالى أهلية الشهادة ، والحكم بها ، وأما الغفران فأمره إلى الله تعالى ، وهو الغفور الرحيم .