ولكِنَّ المولى العزيزَ الحكيمَ سبحانه وتعالى لا يسدّ بابَ رحمته في وجه التائبين ،الذين تابوا من ذنوبهم وطهّروا أنفسهم ،وندموا على ما فرَّطوا ،وسعوا في تعويض ما فاتهم مِن البرِّ ( إلاّ الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإنّ الله غفور رحيم ) .
وقد اختلف المفسّرون في كون هذا الاستثناء يعود إلى جملة ( أُولئك هم الفاسقون ) أو إِلى جملة ( ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً ) ،فإذا كانَ الاستثناء عائداً إلى الجملتينِ معاً ،فمعنى ذلك قبول شهادتهم بعد التوبة وإزالَتُه الحكمَ بفسقهم .أمّا إذا كان عائداً إلى الجملة الأخيرة ،فإن الحكم عليهم بالفسق سيزول عنهم في جميع الأحكام الإِسلامية ،إلاَّ أن شهادتهم تظل باطلة لا تُقبَلُ منهم حتى آخر أعمارهم .
إلاَّ أن المبادئ المعمول بها في «أُصول الفقه » تقول: «إن الاستثناء الوارد بعد عدّة جمل يعود إلى الأخيرةِ منها ،إلاَّ في حالة وجود قرائن تنص على شمول هذه الجمل بهذا الاستثناء .وهنا يوجد مثل هذه القرينة ،لأنّه عندما يزول الحكم بالفسق عن الشخص بتوبته إلى الله ،فلا يبقى دليل على رَدّ شهادته لأنّ عدم قبول الشهادة كان من أجل فسقه .فإذا تاب ورجعت إليه ملكة العدالة فلا يسمى فاسقاً .
وجاءت أحاديث عن أهل البيت( عليهم السلام ) مؤكّدة هذا المعنى ،فقد روى أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد وحماد عن القاسم بن سليمان قال: سألت أبا عبد الله( عليه السلام ) عن الرجل يقذف الرجل فيجلد حداً ،ثمّ يتوب ولا نعلم منه إلاّ خيراً أتجوز شهادته ؟قال: «نعم .ما يقال عندكم ؟» .
قلت: يقولون: توبته فيما بينه وبين الله ،ولا تقبل شهادته أبداً .
فقال: «بئس ما قالوا: كان أبي يقول: إذا تاب ولم نعلم منه إلاّ خيراً جازت شهادته »{[2751]} .
كما رويت أحاديث أُخرى في هذا الباب بهذا المعنى ،ولكن يوجد حديث واحد يحمل على التقية .
ومن الضروري أن نذكّر بأن كلمة «أبداً » في جملة ( لا تقبلوا لهم شهادة أبداً )دليل على عمومية الحكم .وكما نعلم فإنّ كل عام يقبل الاستثناء ( خاصّة الاستثناء المتصل به ) ،فالرأي القائل أن لفظة ( أبداً ) تمنع تأثير التوبة خطأ مؤكّد .
/خ5