قوله:{وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} ( قدمنا ) من القدوم .والقدوم الحقيقي لا يجوز في حق الله .وإنما المراد به هنا إنفاذ أمره وحكمه في أعمال الكافرين التي عملوها حال كفرهم ،من صلة رحم وإغاثة ملهوف وإتحاف ضيف وعون مضطرب وغير ذلك من وجوه المكارم وأفعال الخير ،فإنها جميعا لا تنفعهم عند الله وليس لهم في مقابلتها من أجر ولا مثوبة .وهو قوله: ( فجعلناه هباء منثورا ) الهباء معناه التراب الدقيق وهو مثل الغبار الداخل في الكوّة يتراءى مع ضوء الشمس .والمنثور معناه المفرّق .نثرت الشيء أي فرّقته .وقال ابن عباس: الهباء المنثور: ما تُسفي به الرياح وتبثه .
وحاصل ذلك: التنبيه على المقصود من الآية وهو أن الكافرين والمنافقين والمرائين يعملون الأعمال النافعة في الدنيا وهم يعتقدون أنهم على شيء .لكن أعمالهم في ميزان الله لا تساوي شيئا بالكلية ،فقد شبّهت بذرات التراب أو الرماد المفرّق المبعثر في الهواء ،والذي لا يقدر صاحبه منه على شيء لفرط حقارته وهوانه .
والأصل في ذلك كله: أن قبول الأعمال مرهون بشرطين أساسيين:
أحدهما: الإخلاص لله فيها ؛وهو أن يبتغي صاحب العمل بعمله مرضاة الله .فإن ابتغى غير ذلك كان رياء فهو بذلك متدرج في دائرة الحبوط والبطلان .
وأما الشرط الثاني: فهو موافقة الشرع ؛فأيما عمل مخالف للشرع كان مردودا .وذلك للخبر:"كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد "وأعمال الكافرين لا تخلو من انعدام أحد الشرطين أو كليهما .وأعتى من ذلك وأنكى ،كفرانهم برسالة الإسلام وتكذيبهم نبوة محمد ( ص ) فأنى لهم أن يتقبّل الله لهم عملا ؟!.