وإن المجرمين يكونون قد أحسنوا في الدنيا بأن فعلوا أحيانا ما توجبه المروءة والنجدة ، ولكن لأنهم فقدوا الهيئة المحتسبة المخلصة لله تعالى لا يكافئون عليها لأن الأعمال بالنيات ، ولذا قال تعالى:
{ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا ( 23 )} .
2الهباء ذرات التراب الرقيقة التي لا تبدو إلا في ضوء الشمس المنبثق من كوة مفتوحة ، وقد روى عن علي كرم الله وجهه أن الهباء المنثور هو شعاع الشمس الذي يبدو من الكوة ، ويراد بالهباء ذرات التراب التي لا تظهر إلا في الضوء الساطع من الكوة لدقته ، والمنثور معناه المفرق في الهواء وكأنه لا وجود له ، أو لا يحس بالبصر متميزا عن غيره .
وقوله تعالى:{ وقدمنا} ، أي عمدنا إلى ما عملوا من عمل يرونه برا يكافئون عليه ، فجعلناه كالهباء المفرق في الهواء لا يرى ، ذلك لأن البر إنما يكون مع النية المحتسبة عند الله ، وهؤلاء ليست لهم نية محتسبة لأنهم لا يعبدون الله ، بل يعبدون الأوثان ، ولا يرجون سواها ، فهم آثمون بعملهم لفساد نياتهم .
هذه حال المشركين فيما يعملون من أعمال يحسبون أن فيها خيرا ، وهي ضلال في ضلال لفساد النية ، أما الذين لهم البشرى فهم أصحاب الجنة .