وقد أكد الله سبحانه وتعالى استكبارهم عن الحق وبعدهم باللام وبقد ، وبوصف بعد عن الحق كبير وضلال بعيد ، قد أوغلوا فيه وإذا كانوا يريدون أن يروا الملائكة فسيرونهم ، ولكن لا على أنهم مبشرون ومنذرون ، ورسلا في الدنيا من قبل رب العالمين ، ولكن يرون مبشرين بدخول الجنة فعلا يوم القيامة ، أو ملقين لهم ولأشباههم في الجحيم ، ولذا قال تعالى:
{ يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا ( 22 )} .
أي أنهم سيرون الملائكة غير نازلين لهم في الدنيا ، فالرسالة من البشر ، كما هي سنة الله في دعوة الخلق إلى الهداية ، وكما كان شأن الرسل من قبل محمد صلى الله عليه وسلم ، كما قال تعالى مخاطبا نبيه{. . .قل ما كنت بدعا من الرسل . . ( 9 )} [ الأحقاف] ، فهم يطلبون محالا في الدنيا ، وستنزل إليهم الملائكة فيرونهم عيانا ، ويكون عذاب منهم إليهم ، ولذا قال تعالى{ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ} هذه عبارة سامية فيها تهديد للمجرمين الذين أجرموا في جنب الله تعالى ، وفيها تبشير للمؤمنين .
فهذه الجملة السامية مع إيجازها المعجز ، فيها تبشير وفيها ذكر لعذاب المجرمين ، فالمجرمون لا بشرى لهم بدخول جنة النعيم ، إذ هم محرومون منها ، وفيهابالمفهومبشرى لغير المجرمين ، ففيها جزاء المؤمنين بالنعيم المقيم وحرمان المجرمين منه ، وهذا أدنى الجزاء ، وهو عقوبة سلبية ، والعقوبة الإيجابية وهي دخولهم في الجحيم بدل بشرى النعيم ، فهي مذكورة في آيات كثيرة ، وأشير إلى بشرى المؤمنين ، لأنهم يرجون لقاء ربهم ، فكانوا صفوفا في منازل الأبرار .
{ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا} الضمير في{ يقولون} يصح أن يعود على الملائكة ، ويصح أن يعود إلى المجرمين ، والحجر معناه المكان المحجور الممتنع كنقض بمعنى منقوض ، ومن ذلك حجر إبراهيم ، فهو مكان ممنوع ، ووصفه بالمحجور تصريح بما تضمنه اللفظ ، وتأكيد لمعنى المنع على غير المؤمنين .
وتخريج القول على أن الضمير يعود على الملائكة ويكون المعنى أن الملائكة يقولون لا بشرى يومئذ للمجرمين ، أي البشرى بالجنة تكون لغير المجرمين مقصورا ما يبشر به على المؤمنين ، فأنتم معشر المجرمين ممنوعون منه محرومون .
وإذا كان الضمير في يقولون يعود إلى المجرمين يكون المعنى أنهم أدركوا أنه لا نصيب لهم بالبشرى في الجنة ، ليقولوا متحسرين نادمين مكبوتين{ حِجْرًا مَّحْجُورًا} أي مكان ممنوع علينا منعا مؤكدا .