إنكار البعث والتهديد به
الكلام موصول في بيان أحوال المشركين ، وتعلاتهم في كفرهم بالرسول صلى الله عليه وسلم ومعجزاته وخصوصا القرآن الذي هو أعظم المعجزات التي جاء بها الرسل ، وهو المعجزة الباقية التي تتحدى الأجيال أن يأتوا بمثلها إلى يوم القيامة ، وفي هذه الآية{ وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا . . .} يشير سبحانه إلى السبب في كفرهم وجحودهم بكل شيء ، وهو أنهم لا يرجون لقاء الله تعالى فقال سبحانه:{ وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّا كَبِيرًا} .
لا يرجون لقاءنا ، أي ينكرون لقاء الله تعالى ولا يؤمنون ، وأن لهم هذه الحياة التي يعيشونها في الدنيا ، ولا يؤمنون بغيرها ، وعبر سبحانه عن عدم إيمانهم باليوم الآخر ولقائه بقوله:{ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا} ، أي لا يطمعون ولا يأملون في لقائنا ، للإشارة إلى أن الإيمان باليوم الآخر فيه رجاء الخير ، فمن يؤمن به يرجو الخير ، لأنه يعلم أن هناك جزاء ، وأن أعماله ليست هباء ، فإذا كان متعبا في هذه شقيا فيها ، كان رجاء العوض يوم البعث ، فينال الخير بدل الحياة الشاقة التي يعيشها ، فالمؤمن له رجاء ، والكافر بالبعث حاسر ، وأضاف اللقاء إليه سبحانه ، لأنه مفرج الكروب ، والمجازي سبحانه بالخير خيرا ، وبالشر شرا ، وفيه إيناس بأن من يرجو لقاء الله ، إنما يرجو لقاء السند القوي ، ومن يكفر به ، يعدم ذلك السند الذي لا يعتمد عليه غيره ، سبحانه عظمت آلاؤه ، والتعبير بالموصول:{ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا} فيه إشارة إلى أن السبب في لجاجتهم في الكفر وإنكارهم للمعجزات ، وعدم تعلقهم للحقائق هو أنهم لا يرجون لقاء الله ، ولو رجوا لقاء الله ، لعملوا حساب هذا اللقاء واهتدوا بدل الكفران .
{ لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا} .
لولا للتحريض ، أي هلا أنزل علينا الملائكة ، يخبرون برسالة الله تعالى لهم ، ولا يجيئنا واحد منا يأكل مما نأكل ويمشي في الأسواق كما نمشي ، فهذا تحريض على أن يكون ملائكة ، أو نرى ربنا ، أو تقول لولاحرف شرط امتناع أي امتنع إيماننا لأنه لا تنزل ملائكة أو لم نر ربنا ، والأظهر أنها للتمني ، أي نطلب متمنين أن ينزل علينا ملائكة أو نرى ربنا ، وهذا مؤدى الحض ، فهم يتمنون متعللين بهذه الأمنية الباطلة لتبرير كفرهم .
ومعنى قولهم ومؤداه أننا لا نؤمن بأنك رسول ، ولو كان الله يرسل رسولا لأرسله من الملائكة ، ولماذا لا يخاطبنا ، وهكذا سار المشركون على ما سار اليهود من قبلهم ، فقد قالوا لموسى عليه السلام لن نؤمن لك حتى نرى الله ، إن هذا الذي طلبوه يتضمن في ذات نفسه خروجا بهم عن طورهم الإنساني ؛ لأن الرسول يجب أن يكون من جنس من أٍرسل إليهم ، فهم بطلبهم هذا كطلب بني إسرائيل من قبل قد تعدوا الحدود ، ولذا قال تعالى بعد ذلك{ لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّا كَبِيرًا} السين والتاء للطلب ، أي طلبوا الكبر في ذات أنفسهم وتعدوا حدودهم ، وحسبوا بكبرهم الذي طلبوه أنهم فوق البشرية ، وألفوا الظلم ، والنبو عن الحق ، والخروج من دائرته ، ولا سبيل إلى رجعتهم