وهذا نموذج من المنطق الهروبيّ الذي يحاول المشركون أن يهربوامن خلالهمن مواجهة الحقيقة الرسالية التي كانت تريد لهم مواجهة منطق الرسول بالحوار القائم على الفكر في ما يثيره أمامهم من حقائق الإسلام في رسالته ،فيثيرون الأمور البعيدة عن اتجاه الموضوع .
{وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقاءَنَا} ولا يترقبون وقوعه ،لأنهم لا يؤمنون بالقيامة التي يقفون فيها أمام الله ليواجهوا حساب أعمالهم في الدنيا .وبذلك كانوا لا يمارسون الموقف من منطق المسؤولية ،بل من منطق الهروب واللامبالاة .
{لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْنَا الملائكة} لنراهم رأي العين لنتعرف صدق النبي في نزول الوحي عليه عندما نشاهدهم كيف يلقون عليه الوحي وكيف يلتقيهم ويحدثهم ويحدثونه{أَوْ نَرَى رَبَّنَا} في ما كانوا يعتقدونه من تجسد الإِله بحيث يمكن للناظر أن يراه ،لنسأله عنك وعما تدعيه من إرساله لك بالرسالة التي تدعونا إليها ،فذلك هو الذي يمكننا من تصديقك .وربما كان في قوله{أَوْ نَرَى رَبَّنَا} نوعٌ من التهكم منهم ،لأن «المشركين ما كانوا يرونه تعالى ربّاً لهم ،بل كان عندهم أن أربابهم ما كانوا يعبدونهم ،والله سبحانه رب الأرباب ،فكأنهم قالوا للنبي( ص ): إنك ترى أن الله ربك ،وقد حنّ إليك فخصك بالمشافهة والتكليم ،وأنه ربنا ،فليحن إلينا وليشافهنا بالرؤية كما فعل بك »[ 3] .
ولكننا لا نستفيد من الآية ذلك ،بل كانت المسألة نوعاً من التحدي له ،إذ كانوا يعتقدون عدم صدقه في ادّعائه الاتصال بالملأ الأعلى .أمَّا حكاية أنهم لا يرونه ربّاً لهم ،فهذا ما لم نلاحظه في ما قصه القرآن من عقيدتهم بالله ،بحيث كانت الأصنام وسيلة تقريب لهم إلى الله .
{لَقَدِ اسْتَكْبَرُواْ في أَنفُسِهِمْ} من خلال ما يجدونه من العظمة لأنفسهم بالمستوى الذي يمنعهم من الخضوع للحقيقة الإِلهية التي يحملها شخص منهم كمحمد( ص ) ،لأنهم لا يرون له المقام الرفيع الذي يؤهله للارتباط بعالم الغيب ،مما كانوا يزعمونه من العلاقة الطبيعية بين ما هي الطبقة الاجتماعية في صفة الشخص ،وبين المهمة الرسالية له .وبذلك كانت الكبرياء حاجزاً بينهم وبين الإيمان ،ممّا قادهم إلى الطغيان{وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً} أي طغوا طغياناً عظيماً ،في تصرفاتهم وممارساتهم العامة والخاصة .