استئناف ثان جواب عن مقالتهم ،فبعد إبداء التعجيب منها عُقّب بوعيد لهم ،فيه حصول بعض ما طلبوا حصوله الآن ،أي هم سيرون الملائكة ولكنها رؤية تسوءهم حين يرون زبانية العذاب يسوقونهم إلى النار ،ففي هذا الاستئناف تلميح وتهكم بهم لأن ابتداءَه مطمع بالاستجابة وآخرَه مؤيس بالوعيد ،فالكلام جرى على طريقة الغَيبة لأنه حكاية عن تورّكهم ،والمقصود إبلاغه لهم حين يَسمعونه .وانتصب{ يوم يرون} على الظرفية لِ{ لاَ بُشرى} .وتقديم الظرف للاهتمام به لإثارة الطمع وللتشويق إلى تعيين إبانه حتى إذا ورد ما فيه خيبة طمعهم كان له وقع الكآبة على نفوسهم حينما يسمعونه .وإعادة{ يومئذٍ} تأكيد .
وذِكر وصف المجرمين إظهار في مقام الإضمار للتسجيل عليهم بأنهم مجرمون بعد أن وصفوا بالكفر والظلم واليأس من لقاء الله .وانتفاءُ البشرى مستعمل في إثبات ضده وهو الحزن .
و ( حجر ) بكسر الحاء وسكون الجيم ،ويقال بفتح الحاء وضمها على الندرة فهي كلمة يقولونها عند رؤية ما يُخاف من إصابته بمنزلة الاستعاذة .قال الخليل وأبو عبيدة: كان الرجل إذا رأى الرجل الذي يَخاف منه أن يقتله في الأشهر الحرم يقول له:{ حِجْراً محجوراً} ،أي حَرام قتلي ،وهي عوذة .
و ( حجر ) مصدر: حجَره ،إذا منعه ،قال تعالى{ وحرث حِجر}[ الأنعام: 138] ،وهو في هذا الاستعمال لازم النصب على المفعول المطلق المنصوب بفعل مضمر مثل: معاذ الله ،وأمّا رفعه في قول الرّاجز:
قالت فيها حيدة وذُعْر *** عَوْذ بربي منكمُ وحُجْر
فهو تصرف فيه ،ولعله عند سيبويه ضرورة لأنه لم يذكر الرفع في استعمال هذه الكلمات في هذا الغرض وهو الذي حكاه الراجز .وأمّا رفع ( حجر ) في غير حالة استعماله للتعوذ فلا مانع منه لأنه الأصل ،وقد جاء في القرآن منصوباً لا على المفعولية المطلقة في قوله تعالى:{ وجعل بينهما برزخاً وحِجْراً محجوراً}[ الفرقان: 53] ،فإنه معطوف على مفعول{ جعل} وسننبه عليه قريباً .
و{ محجوراً} وصف ل{ حجراً} مشتق من مادته للدلالة على تمكن المعنى المشتق منه كما قالوا: ليل أليل ،وذيل ذائل ،وشِعْر شاعر .