المفردات:
حجرا محجورا: كلمة تقولها العرب حين لقاء عدو موتور ،أو هجوم نازلة هائلة ،يقصدون بها الاستعاذة من وقوع ذلك الخطب الذي يلحقهم ،والمكروه الذي يلمّ بدارهم .أي: نسأل الله أن يمنع ذلك منعا ،ويحجره حجرا .
التفسير:
22-{يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا} .
إن الكفار طلبوا نزول الملائكة ،تعنتا وكبرا فيما سبق ،وهنا يقول: إن الكفار سيرون الملائكة في يوم الممات ،ولكن لا تحمل لهم البشرى بالجنة ،بل تحمل الوعيد والتهديد للمجرمين ،الذين أسرفوا على أنفسهم في الدنيا .وعندئذ يقول الكافرون: عوذا معاذا ،أي: نرجو ونأمل أن نستعيذ من عذابكم .
واختار ابن جرير الطبري أن تكون جملة:{حجرا محجورا} .من كلام الملائكة ،أي: تقول الملائكة للكافرين: حرام محرم عليكم الفلاح اليوم1 .
وقريب من هذه الآية قوله تعالى:{ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ...} [ الأنفال: 50] .
وقال تعالى:{ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون} [ الأنعام: 93] .
وهذا بخلاف حال المؤمنين حال احتضارهم ،فإن الملائكة تحضر وفاتهم ،وتبشرهم بالجنة وأنواع النعيم .
قال تعالى:{إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون* نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون* نزلا من غفور رحيم} [ فصلت: 30-32] .
قال ابن كثير:
جاء في الحديث الصحيح ،عن البراء بن عازب: ( إن الملائكة تقول لروح المؤمن: اخرجي أيتها النفس الطيبة ،من الجسد الطيب كنت تعمرينه ،اخرجي إلى روح وريحان ،ورب غير غضبان ) .
وفي هذا المعنى يقول الله تعالى:{يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} [ إبراهيم: 27] .
وقال آخرون: بل المراد بقوله تعالى:{يوم يرون الملائكة لا بشرى ..} يعني يوم القيامة ،قاله مجاهد والضحاك وغيرهما ،ولا منافاة بين هذا ،وما تقدم .فإن الملائكة في هذين اليومين ،يوم الممات ،ويوم المعاد ،تتجلى للمؤمنين والكافرين ،فتبشر المؤمنين بالرحمة والرضوان ،وتخبر الكافرين بالخيبة والخسران ،فلا بشرى يومئذ للمجرمين2 .