قوله تعالى:{وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ( 30 ) وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا ( 31 ) يخبر الله تعالى عن شكاية رسوله ( ص ) في الدنيا وعن بثّه إليه مما لقيه من قومه من شديد الهجر والصد والاستنكاف .فقد كان المشركون لا يُصغون للقرآن ولا يستمعونه .بل كانوا إذا تليت عليهم آياته ألغوا فيه ؛أي أكثروا اللّغط والكلام الصاخب المختلط لدى تلاوته كيلا يُسمع ولا يٌفهم .وهو قوله: ( إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا )
( مهجورا ) ،مفعول ثان .أو حال .وهو من الهجر ؛أي الترك والبُعد .وذلك بمختلف الأساليب التي تفضي إلى هجران القرآن .ويشمل ذلك كل وجوه الترك والابتعاد ،كترك العمل به ،وعدم امتثال أوامره والعدول إلى غيره من الملل والشرائع والنظم التي بنيت على الأهواء والشهوات والماديات .وفي ذلك إقصاء للقرآن وتعاليمه ونظمه وروائعه عن حياة البشر ليستعاض عنه بغيره من ضروب الكفر وهي كثيرة ومختلفة وفاسدة .
ذلك هو شأن الضالين المخدوعين من أبناء المسلمين الذين غرتهم المادية الحديثة ببريقها اللامع وسرابها الساطع المخادع .المادية الحديثة الضالة التي أغرقت البشرية في أوحال الرجس والدنس والظلم .وأطفأت فيها كل أثر لنسمة الروح المشعة في الإنسان ،ومسخت فيها براءة الفطرة الأصيلة حتى تحولت الإنسانية بذلك إلى أشتات من الأسر المضطربة والبيوت المتداعية الخاوية ،والطبائع التي طغت عليها الغرائز واستحوذت عليها الأنانيات وعبادة الذات والشهوات .
تلك هي البشرية المضطربة المترنحة الضالة التي هجرت منهج القرآن إلى مناهج الضلال والباطل .وهي لا تفتأ تضطرب وتضل حتى تسقط في الهاوية أو تفيء إلى القرآن بعقيدته وتعاليمه وروائعه .وثمة الأمن والاستقرار والنجاة .