هذا ما يكون من أمر الظالمين في الآخرة ، وقد ذكر بعد ذلك جهاد الرسول ، وقد ضلوا بإغوائهم بعضهم بعضا ، فقال:
{ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ( 30 )} .
هذه حال الرسول ورسالته وإعراضهم عنها في الدنيا مما يوقعهم في حالهم التي صورها سبحانه وتعالى في الآخرة ، وعبر سبحانه بالرسول للإشارة إلى حق الرسالة عليه من الاتباع والدعوة ، وحقه عليهم من الاستجابة والطاعة له .
وقد نادى ربه ضارعا له أن ينصره ويؤيده فقال:يا رب ؛ ليشكو بثه وحزنه إليه ، إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا . وعبر بقومي لإبداء الغرابة من إنكارهم ، لأنهم عرفوه صادقا أمينا ، وعاشروه وعرفوا أنه الأمين ، ليس بالكذاب ومعه الحجة المثبتة لرسالته التي لا تدع ارتيابا لمرتاب .
وقوله تعالى:{ اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ} الإشارة إلى القرآن الذي عرف بصفاته العالية من أنه هدى ورحمة وشفاء لما في الصدور ، وهو نور يهدي إلى صراط مستقيم وبلاغته تبعد عن كل قول وفيه الشريعة ، اتخذوا القرآن صاحب الصفات العليا مهجورا ، أي شيئا مهجورا ، هجرته القلوب ، وهجروه بذواتهم فكانوا يقولون:{. . . لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ( 26 )} [ فصلت] ، وقالوا الهجر والفحش ما يدل على فحشهم وهجر أفعالهم ، وقد استغرب النبي صلى الله عليه وسلم من حالهم المناقضة لرشدهم .