ولقد قال سبحانه في وصف خليل السوء ،{ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي} اللام واقعة في جواب قسم مقدر ، وهي والقسم المقدر تفيدان التوكيد ، وقد تفيد التوكيد أيضا ، و{ أضلني} أي أبعدني وأوقعني في الضلالة منصرفا عن الذكر الذي يذكرني بربي وهو القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم ، وما اشتمل قوله عليه السلام من تذكير بالله والإيمان ، فالذكر يشمل القرآن والنبي ، وما اشتملت عليه الدعوة المحمدية من تذكر مستمر بالله تعالى ، فقرين السوء أبعده عن الحق والتذكير به إبعاده تاما .
وحدّ وقت الذكر ، وهو وقت مجيئه الذي يكون فيه الهدى والضلال ، وفي ذكر هذا الوقت إيذان بأنه قد جاء المذكر ، ولم يجب داعيه ، وإيذان أيا بأنه لا سبيل له إلى استعادة ما فات ، وتغليظ لفساد صحبة صاحبه .
وقوله تعالى:{ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا} هذه الجملة السامية من كلام الله تعالى وأحكامه من كلام الذي يقول:{ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا} .
فإن كانت من كلام الله تعالى فهو سبحانه وتعالى يقرر حقيقة ثابتة في الناس ، والشيطان هنا هو الخليل الذي يدعو إلى السوء ، لأنه يكون كالشيطان تسري نفثاته في نفسه كما تسري نفثات الشيطان ، والشيطان خذول للإنسان يخذله عن السير في طريق الخير وهدايته .
وعلى أن هذا من كلام الكافر يوم القيامة ، يكون رميا لخليله الذي أضله بأنه كالشيطان أفسد قلبه وإدراكه وخذله عن أن يسلك مسلك النبي صلى الله عليه وسلم ، ويتخذ سبيله صلى الله عليه وسلم الحق والذكر والمعرفة ، والهداية والبعد عن الضلال ، وخذول صيغة مبالغة من خاذل ، وهو الذي يجعل الشخص المقدم على أمر يتردد فيه ولا يفعله ، والمراد هنا هو التخذيل عن فعل الخير ، وسلوك الطريق الأقوم ، والأهدى سبيلا .