وقوله: تعالى هنا:{وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً} الأظهر أنه من كلام الله ،وليس من كلام الكافر النادم يوم القيامة ،والخذول صيغة مبالغة ،والعرب تقول: خذله إذا ترك نصره مع كونه يترقب النصر منه ،ومنه قوله تعالى:{وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مّنْ بَعْدِهِ} [ آل عمران: 160] وقول الشاعر:
إن المرء ميتاً بانقضاء حياته ***ولكن بأن يبغي عليه فيخذلا
وقول الآخر:
إن الألى وصفوا قومي لهم فبهم ***هذا اعتصم تلق من عاداك مخذولاً
ومن الآيات الدالة على أن الشيطان يخذل الإنسان قوله تعالى:{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِىَ الأمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُمْ مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِىَّ إنّي كفرت بما أشركتمونِ مِنْ قبلُ} [ إبراهيم: 22] وقوله تعالى:{وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ على عقبيه وقال إنّي بريء منكم إنّي أرى ما لاَ ترونَ} [ الأنفال: 48] الآية .وقوله تعالى في هذه الآية{لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذّكْرِ} [ الفرقان: 29] الأظهر أن الذكر القرآن وقوله:{لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَليلاً} العرب تطلق لفظة فلان كناية عن العلم: أي لم اتخذ أبيا أو أمية خليلاً ،ويكنون عن علم الأنثى بفلانة ومنه قول عروة بن حزام العذرى:
ألا قاتل الله الوشاة وقولهم*** فلانة أضحت خلة لفلان
وقوله:{بَعْضَ الظَّالِمِينَ} [ الفرقان: 27] من عضض بكسر العين في الماضي ،يعض بفتحها في المضارع على القياس ،ومنه قول الحارث بن وعلة الدهلي:
الآن لما ابيض مسربتي ***وعضضت من نابى على جذم
فإن الرواية المشهورة في البيت عضضت بكسر الضاد الأولى وفيها لغة بفتح العين في الماضي ،والكسر أشهر ،وعض تتعدى بعلى كما في الآية وبيت الحارث بن وعلة ،المذكورين وربما عديت بالباء ومنه قوله ابن أبي ربيعة:
فقالت وعضت بالبنان فضحتني*** وأنت امرؤ ميسور أمرك أعسر
وهذه الآية الكريمة تدل على أن قرين السوء ،قد يدخل قرينه النار والتحذير من قرين السوء مشهور معروف ،وقد بين جل وعلا في سورة الصافات: أن رجلاً من أهل الجنة أقسم بالله أن قرينه كاد يرديه أي يهلكه بعذاب النار ،ولكن لطف الله به فتداركه برحمته وإنعامه فهداه وأنقذه من النار ،وذلك في قوله تعالى:{قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ إِنّي كَانَ لي قَرِينٌ يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ * قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} [ الصافات: 51-57] .