هذه شكوى الرسول صلى الله عليه وسلم من قومه ، وقد عزى الله نبيه بأن الباعث على هذا هو العداوة ، والعداوة من شأنها أن تؤدي إلى المهاترة ، وهجر الأقوال والأفعال ، وهؤلاء أعداء كما كان للرسل من قبلك أعداء .
{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ( 31 )} .
إنه منذ هبط آدم وإبليس إلى الأرض ، والخير والشر في نزاع مستمر ، تحقيقا لقوله تعالى:{. . . وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ( 36 )} [ البقرة] ، فإذا كان من سنة الله تعالى في خلقه أن يبعث النذير والداعي إلى الخير ، فإنه تكون وسوسة الشيطان دائمة مستمرة ، والإنسان في غلاب مستمر بين نوازع الشر ، ودواعي الخير ، وبين الداعي إلى الخير ودعاة الشر دائما ، ولذلك جعل الله للنبيين أعداء من المجرمين ، ليتحقق للنبي فضل الجهاد ، وليتحقق الابتلاء الذي يبتلى به النبيون ، كما قال تعالى:{. . . ونبلوكم بالشر والخير فتنة . . ( 35 )} [ الأنبياء] ، ولذلك كان لكل نبي عدو من المجرمين ، وإلا ما كان فضل الجهاد ، وفضل الاختبار الشديد لأهل الإيمان .
{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ} الإشارة إلى ما قوبل به النبي صلى الله عليه وسلم من عداوة كبار المشركين ، كأبي لهب ، وأبي جهل ، ولجاجتهما في العداوة والإحن مع قرب القرابة ، والرحم الواصلة ، والمعنى كهذه العداوة التي تلقاها من بعض المجرمين من قومك ، وجعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين ، وعدوا تشمل الجمع والواحد أي يكون لنبي عدو ، فرادى وجماعات ، لأن تلك سنة الحياة التي سنها الله تعالى:{ ولن تجد لسنة الله تحويلا ( 43 )} [ فاطر] ، و( من ) هنا ابتدائية ، أي يكونون من المجرمين دون غيرهم .
وإذا كان ذلك شأن الوجود الإنساني أن يكون الإنسان في متنازع الخير والشر ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم غالب ، لأن الله تعالى ناصره ومعه ، ولذا قال:{ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} الباء لتأكيد كفاية الله تعالى له ، وإنه معه يغنيه عن الاستعانة بغيره ، والتعبير{ بربك} أي كالئك وحافظك ومربيك ، والقائم على شئونك ،{ هاديا} إلى أقوم سبل الحياة الفاضلة ،{ ونصيرا} نصرا مؤزرا دائما ، وليستخلفن في الأرض المؤمنين الصالحين .