قوله:{فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} خشي موسى على نفسه من جنود فرعون لقتله رجلا من القبط ،فدخل المدينة في الصباح على خوف من أهلها أن يقتلوه وهو يترقب ؛أي يتلفت إلى ما حوله ،ويتسمع ما يقوله عنه الناس .إلى غير ذلك مما تقتضيه هذه العبارة القرآنية القصيرة بكلماتها المؤثرة المعدودة .فما يتلو القارئ هذه الكلمات:{فأصبح} ،{خائفا} ،{يترقب} ،حتى تأخذه غمرة من الرهبة والارتياع .وفوق ذلك ما يتراءى للذهن من صورة شاخصة ماثلة تساور الخيال وتلمس الحس .صورة مثيرة ومذهلة تكشف عن حقيقة الحال من الخوف والتلفت في حذر وانتظار استعدادا لكل طارئ .نقول هذا لنجزم في يقين أنه ليس كالقرآن في كمال التصوير ،وجمال الكلم وروعة الألفاظ المؤثرة النافذة إلى أعماق القلوب والأذهان .
قوله:{إِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ} أي فإذا صاحبه الإسرائيلي الذي استغاثه بالأمس على القبطي يقاتل قبطيا آخر ويستصرخه ؛أي يستغيثه ،من الصراخ وهو صوت المستغيث ،وصوت الغيث إذا صرخ بقومه للإغاثة{[3485]}
قوله:{قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ} غوي ،أي مغو .وقيل: الغوي بمعنى الغاوي .والمراد أنك ظاهر الغواية ،كثير الشر ،فعزم موسى على البطش بالقبطي ،فتوهم الإسرائيلي بما جبل عليه من ذلة وضعف وخور أن موسى إنما يريد قتله وهو قوله:{فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ}