{فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ} الشرّ من خلال ثأر قوم القبطي لقتيلهم ،وهنا كانت المفاجأة التي تنتظره لخوض تجربة جديدةٍ مماثلة للتجربة الماضية ،{فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالاَْمْسِ} من قومه{يَسْتَصْرِخُهُ} لينتصر له في معركةٍ جديدةٍ مع شخصٍ آخر من الأقباط ،في نداء استغاثةٍ مؤثّر ...ولم يستجب موسى له ،فقد استوعب التجربة السابقة ،واحتوى نتائجها في فكره وشعوره ،فقد لا يكون المستغيث دائماً مظلوماً ،بل قد يكون صاحب مشاكل يتحرك في عملية الإثارة للنزاع والخلاف على أساس حدّة طبعه ،أو رغبته في العدوان ،فكيف يمكن له أن يستجيب له ؟!وإذا كان موسى قد اندفع سابقاً للانتصار له ،فليس ذلك من موقع الانتصار للقريب ،بل من موقع الاعتقاد بأنه مظلومٌ من قِبَل القبطي انطلاقاً من دراسة طبيعة الأشياء في موازين الضعف والقوة .ولكن المسألة الآن هي أن صاحبه يدخل في خلافٍ جديدٍ ،ما يوحي بأنه رجلٌ يتعمد المشاكسة مع الآخرين ،وقد يكون انتصار موسى له أغراه في ذلك .
{قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ} فإنك لا تسلك طريق الرشد الذي يفرض على الإنسان أن يحلّ الأمور بالتي هي أحسن بعيداً عن العنف ،أو أن يبتعد عن الدخول في القضايا التي تثير الخلاف من حوله ،