{قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَىَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ} وكان موسى في الأجواء الروحية التي يستلهم فيها روحانية الإيمان في ابتهاله لله ،وفي انفتاحه على نعمه وألطافه ،وفي إحساسه بالحاجة إلى عفوه ورحمته ،وشعوره بأن الله قريب منه ومن حياته في آلامه وآماله ..يتعاظم في نفسه الحب لله ،في ما يفيض عليه من النعم الوافرة لديه .
وهكذا أراد أن يعبّر عن شكره لله على ذلك كله بطريقةٍ عملية ،فإذا كان الله قد أنعم عليه بالقوة ،فلن يجعل القوّة في نصرة المجرمين الذين أجرموا في حق الله وحق عباده بالكفر والضلال والطغيان ،وإذا كان قد أنعم عليه بالعلم فليجعله في خدمة المستضعفين لا في خدمة المستكبرين .فتوجه إلى الله بأنه يعاهده بأن لا يكون ظهيراً للمجرمين بسبب ما أنعم الله عليه من كل نعمه الظاهرة والباطنة ،وبذلك كان الإيحاء الروحي للنعمة أنها تمثل مسؤولية العبد أمام الله بأن يقابله بالشكر المتحرك في خط توجيه النعمة في طاعته ،لا في معصيته ،على الخط الذي عبر عنه الإمام علي( ع ) بقوله: «أقلّ ما يلزمكم لله أن لا تستعينوا بنعمه على معاصيه » .
وكان لهذا الحدث تأثيرٌ مباشرٌ على نفسية موسى( ع ) في حركته الأمنية في المجتمع ،حذراً من الأجواء العدوانية الفرعونية ضدّه .