التّفسير
موسى يتوجّه إلى مدين خُفيةً:
نواجه في هذه الآيات المقطع الرّابع من هذه القصّة ذات المحتوى الكبير .
حيث أن مقتل الفرعوني في مصر انتشر بسرعة ،والقرائن المتعددة تدلّ على أن القاتل من بني إسرائيل ،ولعل اسم موسى( عليه السلام ) كان مذكوراً من بين بني إسرائيل المشتبه فيهم .
وبالطبع فإنّ هذا القتل لم يكن قتلا عادياً ،بل كان يعد شرارة لانفجار ثورة مقدمة للثورة ..ولا شك أن جهاز الحكومة لا يستطيع تجاوز هذه الحالة ببساطة ليعرّض أرواح الفرعونيين للقتل على أيدي عبيدهم من بني إسرائيل .
لذلك يقول القرآن في بداية هذا المقطع ( فأصبح في المدينة خائفاً يترقب ){[3048]} .
وهو على حال من الترقب والحذر ،فوجئ في اليوم التالي بالرجل الإسرائيلي الذي آزره موسى بالأمس يتنازع مع قبطي آخر وطلب من موسى أن ينصره ( فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه ){[3049]} .
ولكن موسى تعجب منه واستنكر فعله و ( قال له موسى إنك لغوي مبين ) إذ تحدث كل يوم نزاعاً ومشادة مع الآخرين ،وتخلق مشاكل ليس أوانها الآن ،إذ نحن نتوقع أن تصيبنا تبعات ما جرى بالأمس ،وأنت اليوم في صراع جديد أيضاً !!
ولكنّه كان على كل حال مظلوماً في قبضة الظالمين ( وسواء كان مقصراً في المقدمات أم لا ) فعلى موسى( عليه السلام ) أنّ يعينه وينصره ولا يتركه وحيداً في الميدان ،فلمّا أن أراد أن يبطش بالذي هو عدوّ لهما صاح ذلك القبطي: ( يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس ) ويبدو من عملك هذا أنّك لست إنساناً منصفاً ( ان تريد إلاّ أن تكون جباراً في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين ){[3050]} .
وهذه العبارة تدلّ بوضوح على أن موسى( عليه السلام ) كان في نيّته الإصلاح من قبل ،سواءً في قصر فرعون أو خارجه ،ونقرأ في بعض الرّوايات أن موسى( عليه السلام ) كانت له مشادات كلامية مع فرعون في هذا الصدد ،لذا فإن القبطي يقول لموسى: أنت كل يوم تريد أن تقتل إنساناً ،فأي إصلاح هذا الذي تريده أنت ؟!في حين أن موسى( عليه السلام ) لو كان يقتل هذا الجبار ،لكان يخطو خطوة أُخرى في طريق الإصلاح ..
وعلى كل حال فإنّ موسى التفت إلى أن ما حدث بالأمس قد انتشر خبره ،ومن أجل أن لا تتسع دائرة المشاكل لموسى فإنّه أمسك عن قتل الفرعوني في هذا اليوم .