قوله تعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} المراد بالكتاب التوراة ؛فقد أنزلها الله على نبيه وكليمه موسى عليه الصلاة والسلام .فكانت التوراة أول كتاب فُصّلت فيه الأحكام من بعد إهلاك الأمم السابقة وهم أقوام نوح وهود وصالح ولوط عليهم الصلاة والسلام .ولقد أنزل الله التوراة{بَصَائِرَ لِلنَّاسِ}{بَصَائِرَ} ،مفعول لأجله .أو حال{[3506]} و{بصائر} جمع بصيرة ،وهي نور القلب الذي يُبصَر به الهدى والحق ،كما أن البصر نور العين الذي يُبصَرُ به الأجسام .
والمعنى: أن الله أتى نبيه موسى التوراة لتكون أنوارا للقلوب ؛إذ كانت عُميا لا تبصر ولا تميز بين حق وباطل .بل كانت تائهة في ظلمة الباطل ،سادرة في الغي والضلال .وكذلك أنزلها الله عليه{هدى ورحمة} فهي تهدي الناس إلى الصواب وتسلكهم سبيل الهداية والرشاد .
وهي كذلك رحمة لمن التزمها واستمسك بها وعمل بأحكامها ؛فإنه يحظى بالرحمة من الله ،والفوز بالسعادة في الدارين{لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} أي لكي يتعظوا ويعتبروا .