وبدأ موسى دوراً جديداً في إثارة وعي الرسالة في عقول قومه المستضعفين الذين حرّرهم من استعباد فرعون لهم ،وأنقذهم من طغيانه ،ليبدأوا حياةً إنسانيةً حرة وعادلة ،وكان لا بد للحركة الجديدة في خط النبوة من كتاب يحدّد للناس مفاهيم الحق والباطل ،والخير والشرّ ،والظلم والعدل ،ويفصّل لهم ما يفعلون وما يتركون ،مما يأمر به الله مما يصلحهم ،ومما ينهى الله عنه مما يفسد حياتهم ،وهكذا كان الأمر{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتابَ مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الاُْولَى} التي سبقت زمنه ،كقوم نوح وإبراهيم وغيرهم في فترةٍ زمنيةٍ لم يكن للناس فيها عهدٌ بالرسالات والرسل ،فكان هذا الكتاب الذي أنزل على موسى( ع ){بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ} يبصر الناس الحق في مفهومه الكلي ،وفي جزئياته العملية ،{وَهُدًى} في ما يهديهم إليه من سبل الخير لئلا يضلوا عنه في سبل الشرّ ،{وَرَحْمَةً} في ما يحلّ لهم من مشاكل الحياة الصعبة في قضاياهم المتنوعة ،مما كانوا يعانون منه من متاعب وآلام ،في تحديات الواقع ،وفي ما يخطط لهم من مناهج وشرائع .
{لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} في ما تثيره آياته في عمق شخصياتهم من أفكار ومشاعر ،وما تفتحه لهم من آفاق ومشاريع وفتنقذهم من الغفلة المطبقة عليهم .