قوله تعالى:{وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ ( 44 ) وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ( 45 ) وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ( 46 ) وَلَوْلا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَولا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} .
ذلك برهان من الله يشهد بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبصدق رسالته ؛إذ أخبر قومه بالأحداث الماضية مما هو مستور في بطن الغيب .لقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بغيوب سلفت قبل زمانه بدهر طويل ،مع أنه صلى الله عليه وسلم كان أميا لا يعرف القراءة ولا الكتابة ،وقد بُعث في أمة لا تقرأ ولا تكتب وهو عليه الصلاة والسلام لم يعلمه إنس ولا جان ،ولم يتلق أيما درس في التاريخ وأخبار السابقين الأولين ،بل تلقى ذلك كله من ربه .لقد تلقى منه الخبر الصادق اليقين الذي أذهل العقول ونبّه إلى حقيقة هذا الرجل الصدوق ،على أنه مرسل من ربه ،وأنه لا ينطق عن الهوى .وذلك كإخباره في القرآن الحكيم عن أخبار السابقين والغابرين ،كقوم نوح وعاد وثمود ولوط وقوم شعيب ،وقصة موسى مع الطاغية فرعون ،ومولد عيسى المسيح من أمه مريم البتول وغير ذلك من أخبار النبيين والمرسلين .وهي أخبار دقيقة ومستفيضة ومفصلة جاءت على أكمل ما يكون عليه القَصَص من الصدق والبيان .وفي ذلكم دليل قاطع على نبوة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم .
وهنا يبين الله في خطابه لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ،أنك لم تشهد قصة موسى وهو يكلمه ربه عند الطور بل أخبرك ربك بذلك وحيا ،حتى تبينه للناس وهو قوله:{وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ} أي ما كنت يا محمد حاضرا بجانب الجبل الغربي أو المكان الغربي الذي وقع فيه الميقات لموسى ؛إذ أعطاه الله فيه ألواح التوراة{إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأمْرَ} أي علمناه وعهدنا إليه واحكمنا أمر نبوته بالوحي وإنزال التوراة عليه{وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ} أي لم تكن ؛إذ ذاك من الحاضرين نزول الوحي إليه حتى تعاين بالمشاهدة ما جرى من أمر موسى في ميقاته فتخبر به الناس .ولكن الله عز وعلا قد أوحى إليك ليكون لك حجة وبرهانا تواجه بهما الناس .