ثم يقول سبحانه: ( وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ) .
وذلك استفهام إنكاري .وتقدير الكلام: من أين يأتيكم الكفر والإغواء والفتنة ولديكم ما يمنعكم منه ،وهو القرآن الكريم يتلى عليكم ،ذلك الكتاب الذي تتقاطر منه نسائم الإعجاز البالغ ما بين حلاوة في النغم وفصاحة في الكلم ،وروعة خارقة نفاذة في الأسلوب ،لا جرم أن القرآن بإيقاعه المؤثر وجرسه النافذ الساحر وأسلوبه المعبر الباهر بحقيقة المعجزة الربانية المجلجلة من خلال هذا الكلام الحكيم .
وقوله: ( وفيكم رسوله ) أي رسول الله صلى الله عليه و سلم بين أظهركم ينبهكم ويعظكم ويزيل ما ينتابكم من شبهات المضلين ،فضلا عن الشخصية الفذة لهذا النبي الحكيم ،الشخصية المتكاملة المثلى التي عز نظيرها في العالمين ،وخلال التاريخ كله ،الشخصية التي تتندى من سجاياها ومزاياها كل معاني الخير والجمال والرحمة .
وفي مثل هذا الصدد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لأصحابه يوما:"أي المؤمنين أعجب إليكم إيمانا ؟"قالوا: الملائكة ،قال:"وكيف لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم "قالوا: فنحن قال:"وكيف لا تؤمنون وأنا يبن أظهركم ؟"قالوا: فأي الناس أعجب إيمانا ؟قال:"قوم يجيئون من بعدكم يجدون صحفا يؤمنون بما فيها "{[552]}
قوله: ( ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم ) ذلك تحريض من الله للمؤمنين لكي يعتصموا بالله ،أي يستمسكوا بدينه القويم ويستنيروا بنور قرآنه العظيم ،ومن يستمسك بذلك لا جرم أن مآله الرشاد والاهتداء إلى صراط الله المستقيم وهو الإسلام .