قوله:{ وكيف تكفرون} استفهام مستعمل في الاستبْعَاد استبعاداً لكفرهم ونفياً له ،كقول جرير:
كَيْفَ الهِجَاءُ وَمَا تَنْفَكّ صَالِحَةٌ *** من آل لأمٍ بِظهْرِ الغَيْبِ تَأتينِي
وجملة{ وأنتم تتلى عليكم آيات الله} حالية ،وهي محطّ الاستبعاد والنَّفي لأنّ كلاّ من تلاوة آيات الله وإقامة الرّسول عليه الصّلاة والسَّلام فيهم وازع لهم عن الكفر ،وأيّ وازع ،فالآيات هنا هي القرآن ومواعظه .
والظرفية في قوله:{ وفيكم رسوله} حقيقيّة ومؤذنة بمنقبة عظيمة ،ومنّة جليلة ،وهي وجود هذا الرسول العظيم بينهم ،تلك المزيّة الَّتي فاز بها أصحابه المخاطبون .
وبها يظهر معنى قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي عن أبي سعيد الخدْري: « لاَ تسبُّوا أصحابي فوالّذي نفسي بيده لَوْ أنّ أحدكم أنفق مثلَ أُحُد ذَهَباً مَا بَلَغ مُدّ أحدِهم ولا نصِيفه » النصيف نِصْف مدّ .
وفي الآية دلالة على عِظْم قدْر الصّحابة وأنّ لهم وازعين عن مواقعة الضّلال: سماعُ القرآن ،ومشاهدَة أنوار الرّسول عليه السَّلام فإنّ وجوده عصمة من ضلالهم .قال قتادة: أمّا الرسول فقد مضى إلى رحمة الله ،وأمَّا الكتاب فباقٍ على وجه الدّهر .
وقوله:{ ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم} أي من يتمسّك بالدّين فلا يخش عليه الضّلال .فالاعتصام هنا استعارة للتَّمسّك .
وفي هذا إشارة إلى التمسّك بكتاب الله ودينه لسائر المسلمين الَّذين لم يشهدوا حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم