/ت100
ثُمَّ تأتي الآية الثانية لتثير الإنكار في صيغة الاستفهام فتتساءل: [ وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آياتُ اللّه وفيكم رسولُهُ] لتوجه المؤمنين إلى عدم الانفصال عن القرآن في مفاهيمه ودلائله وبراهينه وخططه للحياة ،وعدم الابتعاد عن الارتباط بقيادتهم الرسالية الواعية التي تفتح لهم أبواب الإيمان في ما تفتح لهم من أبواب العلم باللّه وبرسالته وشرائعه ،فإنَّ ذلك هو السبيل إلى الثبات على المبدأ ،والشعور بقوّة المواقف وأصالتها .
من وحي الآية:
وإذا أردنا أن نستوحي الفكرة العامّة من هذه الفقرة من الآية ،فإنَّنا نستطيع تلخيص ذلك في نقطتين ،تمثّلان القاعدة الثابتة الأصيلة في وسيلة المحافظة على تماسك الأمّة في عقيدتها أمام مخططات الأعداء ،وهما: الارتباط بالفكرة من خلال مصادرها النقية الأصيلة ،والارتباط بالقيادة المخلصة الرسالية في تخطيطها العملي لحركة الفكرة للحياة ،لأنَّ الفكرة وحدها لا تستطيع حماية مسيرتها من الانزلاق والانحراف بدون قيادة تحرّك الفكرة في الخطّ السليم ،كما أنَّ القيادة لا تستطيع القيام بدورها الأصيل إذا لم تكن القاعدة سائرة في خطّ الفكرة ومؤمنة بقيمتها الفكرية والروحية في الطريق الطويل .
وقد نستوحي منها ،أنَّ على الإنسان المسلم أن يلجأ إلى آيات اللّه ليستنطقها في عملية تحليلٍ لكلّ ما يُعرض عليه من دعوات وأفكار يجد فيها الهدى كلّ الهدى ،والوعي كلّ الوعي ،وأن يرجع إلى حياة رسول اللّه ( ص ) وسنته ليعيش معه الروح المنفتحة على النّاس في محبّة ممزوجة بالحذر ،وفي وعي نابض بالحياة ،وفي حياة متحرّكة في أكثر من اتجاه على أساسٍ من وضوح الرؤية لفكر الإنسان وواقعه في خطّ العقيدة والعمل ،فإنَّ ذلك هو السبيل للاعتصام باللّه والسير على هداه .
الاعتصام بحبل اللّه:
[ ومن يعتصم باللّه] بالتمسك بكتابه ورسوله ورسالته ،والانفتاح عليه بالإخلاص والتَّقوى والاستقامة في خطّ اللّه ،والوقوف بقوّة في مواجهة التحدّيات الكبرى التي تتحدّى قضايا المصير من أجل ردّ التحدّيات بمثلها وإطلاق التحدّي في وجه الكفر والاستكبار ،وهو الموقف الذي يفرضه الانتماء إلى الإسلام في الفكر والعمل ،[ فقد هُدِيَ إلى صراط مستقيم] لأنَّ اللّه هو الحقّ وما يدعون من دونه الباطل ،ولذلك فإنَّ الاعتصام به هو اعتصام بالخطّ المستقيم الذي يحفظ للإنسان دنياه وآخرته ،ويقوده إلى النجاة في نعيم اللّه ورضوانه .
وربَّما نحتاج إلى التوقف عند كلمة الاعتصام باللّه ،وعلاقته بالاهتداء إلى الصراط المستقيم ،فإنَّ الاعتصام باللّه يشير إلى التمسك بكلّ المفاهيم التي أوحاها إلى رسوله ( ص ) والسير مع كلّ الشرائع التي شرّعها للنّاس على لسانه ،والتحرّك نحو كلّ الأهداف الكبيرة في الحياة التي أراد للإنسان أن يسير عليها من خلال وسائله الطاهرة النظيفة ،وبذلك تستقيم للإنسان الرؤية الواضحة والمنهج المحدّد ،والهدف الكبير الذي يبدأ من اللّه وينتهي إليه ،فلا يبقى لديه أيّ شك أو ريب أو انحراف ،بل هو الطريق المستقيم الذي لا عِوَجَ فيه ولا التواء .وفي هذا الجوّ نفهم أنَّ الاعتصام باللّه ليس كلمةً تُقال ،ولكنَّه فكرٌ وخطٌّ وموقفٌ وهدفٌ يحكم حياة الإنسان في مجالاتها الفكرية والعملية ؛فإنَّ الإنسان الذي لا يعتصم باللّه يبقى عُرضةً للانحراف مع الخطوط المتنوّعة للأهواء المختلفة التي يثيرها الشَّيطان وجنوده في قلب الإنسان .