قوله: ( ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم ) ها للتنبيه .أنتم ،ضمير في محل رفع مبتدأ .( أولاء ) خبر المبتدأ في محل رفع .وجملة ( تحبونهم ) في محل نصب على الحال من اسم الإشارة .وقيل: ( أولاء ) اسم موصول بمعنى الذين .وجملة ( تحبونهم ) صلة الموصول .والموصول مع الصلة في محل فع خبر المبتدأ ( أنتم ) .
ذلك تنبيه مؤثر ،لمن كان له قلب يعي أو عقل يتدبر من المسلمين .تنبيه يثير النفس ويدير الرأس ،قمين بالتدبر والاهتمام مليا ،فها أنتم أيها المسلمون تحبون هؤلاء الكفرة والمنافقين ؛لما بينكم من علائق المصاهرة والرضاع أو الجوار ونحو ذلك .أو لما يظهره لكم هؤلاء من رقة الخطاب والتعامل ،وحسن الكلام المنمق المصنوع لتحسبوا بذلك أن هؤلاء قلوبهم ،معكم وأنهم قريبون من ملة الإسلام ،لكنهم في الحقيقة كما ذكر الله عنهم ( ولا يحبونكم ) لأنكم مسلمون ؛ولأن الكفر مستقر ومركوز في سويداء قلوبهم فهم على الدوام تهفو قلوبهم ومشاعرهم لرؤية أعلام الصهيونية والصليبية ،والنفاق ظاهرة مستعلية مع ما يخفونه في أعماقهم من تمنيات بهزيمتكم وزوال دولتكم لتكون لهم الإدالة والغلبة عليكم .
قوله: ( وتؤمنون بالكتاب كله ) الكتاب اسم جنس أي للكتب ،والمراد الكتب السماوية المنزلة على النبيين ،وتقدير الكلام أنكم أيها المسلمون تؤمنون بكل الكتب السماوية سواء في ذلك التوراة والإنجيل ،فضلا عن إيمانكم بالكتاب الحكيم ،القرآن .
من غير شك من ذلك ولو بمثقال ذرة ،لكن يهود والنصارى لا يؤمنون بالقرآن ،بل لا يؤمنون بجميع كتبهم ،وإنما يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض ،وهم في ذلك أتباع هوى فاضح ومزاج مضطرب مريض .
قوله: ( وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ ) يبين الله حال هؤلاء المخادعين الماكرين من أهل الكتاب والمنافقين وأهل الأهواء الذين يتخذهم المسلمون بطانة لهم وأعوانا ؛فإنهم إذا لقوا المسلمين لدى التعامل معهم والخطاب تظاهروا أمامهم أنهم يؤمنون بنبوة محمد صلى الله عليه و سلم ،لكنهم إذا خلا بعضهم إلى بعض وكانوا في معزل عن المسلمين تكاشفوا فيما بينهم من إظهار العداوة للإسلام ،وباحوا في صراحة بأسرارهم المخبوءة مما تنثني عليه صدورهم من حقد كثيف بالغ ،وبغض لئيم مستكين للمسلمين .ويكشف عن هذه الحقيقة العبارة القرآنية الوجيزة العجيبة ( وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ ) والأنامل أطراف الأصابع .والعض لغة الإمساك بالأسنان ،وهو كناية عن شدة الخنق والضغن ،وذلك لما رآه هؤلاء الأنجاس الماكرون من تماسك المسلمين واجتماع كلمتهم وتشبثهم بعقيدة الإسلام والتفافهم حول منهج الله القويم ،لا جرم أن ذلك يثير في نفوس الضالين من أهل الكتاب والمنافقين وذوي الأهواء وذوي الكراهية والحقد ،ويحرضهم على التربص والتخطيط والتآمر على الإسلام والمسلمين .
قوله: ( قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور ) خرج ذلك مخرج الأمر ،والمقصود منه الدعاء عليهم من الرسول صلى الله عليه و سلم أن يهلكهم الله كمدا ،لفرط ما يركم في نفوسهم من الغيظ على المسلمين .وذلك إيذان بقوة الإسلام وعلو سلطانه ،فالمراد من الدعاء عليهم بزيادة غيظهم هو التضرع إلى الله بازدياد قوة الإسلام وعلو شأنه مما فيه إغاظة للكافرين المنافقين الذين لا تخفى على الله حالهم ،وذلك مقتضى قوله تعالى: ( إن الله عليم بذات الصدور ) ذلك تهديد لهؤلاء الحاقدين المتربصين الذين يعلمهم الله ويعلم ما تكنه صدورهم من الغل والبغضاء والاغتمام والكمد .