قوله تعالى: ( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) .
قوله: ( منَّ ) من المنة بكسر الميم والجمع منن .منّ عليه أو امتن عليه بكذا ،أي أنعم عليه به .مننت عليه منّا ،أي عددت له ما فعلت له من الصنائع ،كأن تقول: أعطيتك ،وفعلت لك{[633]} .
الله جل جلاله يمتن على عباده المؤمنين بأن بعث فيهم محمدا صلى الله عليه و سلم .هذا النبي المفضل الفذ .الذي خلب بسيرته وخصاله وفعاله العظيمة كل الألباب ،وأدهش بسداده وبراعته الأذهان والنهي ،وبهر الطبائع والبصائر لحسن أخلاقه وجمال فطرته الناصعة البيضاء .لا جرم أن محمدا صلى الله عليه و سلم خير العالمين وإمام البشرية في هذه الدنيا ويوم تقوم الساعة حيث البقاء والقرار والديمومة .
يمتن الله على المؤمنين ببعث هذا النبي المكرم المفضال .أما وجه الامتنان ببعث هذا النبي عليه السلام فهو يتجلى في كونه ( من أنفسهم ) أي من جنسهم .وعلى هذا كان لسانه كلسانهم ،فسهل عليهم أن يقفوا على ما يحدثهم به ؛لما في ذلك من قرب للقلوب والعقول .
ولكونه من جنسهم فهم أعلى الناس بأحواله وسلوكه وحقيقة شخصيته من الصدق والأمانة والسجاحة وسلامة الطبع والفطرة .فكان ذلك مدعاة لهم أن يصدقوه ويثقوا به .
قوله: ( يتلو عليهم آياته ) الجملة في محل نصب نعت لرسول .والمراد بآيات الله هنا القرآن الكريم .فقد تلاه النبي الكريم على العرب بعد أن كانوا أهل جاهلية بكل ما في الجاهلية من حماقات وضلالات .
وقوله: ( ويزكيهم ) أي يطهرهم من خطايا الجوارح وفساد القلوب والنوايا .
وقوله: ( ويعلمهم الكتاب والحكمة ) أي القرآن والسنة .
وقوله: ( وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) أي لقد كانوا من قبل بعثة الرسول محمد صلى الله عليه و سلم لفي غي وجهالة وعمه ظاهر لا شك فيه .