قوله: ( فرحين بما آتاهم الله من فضله ) ( فرحين ) منصوب على الحال .أن الشهداء تغشاهم بهجة من إشراق الأنوار الربانية يكونون بها في غاية من الفرح الغامر لما فازوا بالشهادة وما سيق لهم بمقتضاها من الكرامة والتفضيل والتنعم برزق الله .
قوله: ( ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلقهم ) أي يسرون بالبشارة بلحوق إخوانهم الذين فارقوهم وهم أحياء في الدنيا ليشركوهم فيما أعطاهم الله من ثواب ونعيم .وقوله: ( من خلفهم ) أي الذين بقوا بعدهم وهم قد تقدموهم بالاستشهاد .
قال السدي في هذا الصدد: يؤتى الشهيد بكتاب فيه: يقدم عليك فلان يوم كذا وكذا .ويقدم عليك فلان يوم كذا وكذا ،فيسر بذلك كما يسر أهل الدنيا بغبائهم إذ قدم .
وقال سعيد بن جبير: لما دخلوا الجنة ورأوا ما فيها من الكرامة للشهداء قالوا: يا ليت إخواننا الذين في الدنيا يعلمون ما عرفناه من الكرامة .فإذا شهدوا القتال باشروها بأنفسهم حتى يستشهدوا فيصيبوا ما أصبنا من الخير .فأخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم بأمرهم وما هم فيه من الكرامة .وأخبرهم أي ربهم أني قد أنزلت على نبيكم وأخبرته بأمركم وما أنتم فيه فاستبشروا بذلك .
وقد ثبت في الصحيحين عن أنس في قصة أصحاب بئر معونة السبعين من الأنصار الذين قتلوا في غداة واحدة ،وقنت رسول الله صلى الله عليه و سلم يدعو على الذين قتلوهم ويلعنهم .قال أنس: ونزل فيهم قرآن قرأناه حتى رفع"أن بلغوا عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا "{[636]} .
قوله: ( ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) أي أن هؤلاء الشهداء مستبشرون بإخوانهم ،فرحون أنهم إذ صاروا مثلهم شهداء فإنهم: ( لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) أي لا خوف عليهم من عقاب الله فهم آمنونا مطمئنون ولا يحزنون على ما خلفوا وراءهم من أسباب الدنيا ؛إذا لا يمسهم في ذلك أيما حزن على فراق الحياة وما فيها .