وقد بين الله سبحانه وتعالى حالهم فقال سبحانه:{ فرحين بما آتاهم الله من فضله} .
أي انهم في هذه الحياة التي يحيونها يشعرون بسعادة عظيمة ؛ لأنهم يرون ثمرات أعمالهم من الجهاد في سبيل الله ، ويشعرون برضا الله سبحانه وتعالى ، وأنهم في تكريم ، وقد آتاهم الله تعالى نعمة الطاعة ونعمة الجهاد ، وأشعرهم بالسعادة المطلقة في حياتهم الروحية ، ورحابه الكريم . وان الملائكة أولئك الأرواح الطاهرة تحفهم بالتكريم والترحيب ، ويروى في ذلك البخاري ان جابرا ، قال:لما قتل أبي جعلت أبكي واكشف الثوب عن وجهه ، فجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهونني ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:"لا تبك ، ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع"{[620]} فأرواح الشهداء في تكريم من الملائكة الأطهار ، والله سبحانه وتعالى يتغمدها برضاه وتقريبها حتى عن النبي صلى الله عليه وسلم ليذكر ان الله تعالى يخاطبها كفاحا ، أي مواجهة ، وأي تكريم أعلى من ذلك وأسمى ؟ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .
وإن أرواح الشهداء الأبرار لترضى بجهاد الذين اعقبوهم في الميدان فلم يخلوه ، ولذا قال سبحانه:{ ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون} .
الاستبشار:طلب البشرى هي الأمر الذي يدخل السرور في النفس ، لمر كان يتوقع منه مرهوبا او محبوبا فتجئ البشرى بالمحبوب دون المرهوب ، وفي بيان استبشار أولئك الشهداء الأبرار تخريجان:أحدهما- ان يكون المراد طلبهم البشرى بأن الذين لم يلحقوا بهم في الاستشهاد وخلفوهم في الميدان ، لا خوف عليهم من أن يستمكن العدو منهم ولا ينتصر عليهم ، ولاهم في حزن أو غم بسبب انهم لم ينالوا ما يرغبون من نصرة كلمة الحق ، ورفع كلمة الدين ، فهم على اطلاع بما يجري للمؤمنين ، ويريدون ان تجئ إليهم البشرى بالانتصار الباهر ، والفوز الظاهر الذي يذهب معه الخزف ويكون بدله المن ، ولا يكون حزن من هزيمته ، او غم من قرح يصيبهم وتكون كلمة يستبشرون معناها يطلبون البشرى .
التخريج الثاني:ان يكون معنى الاستبشار طلب البشرى ونيلها ، فالاستجابة معناها طلب الإجابة ونيلها ، والمعنى انهم في سرور وحبور مما آتاهم الله تعالى من فضله ، ولنهم جاءتهم البشرى بأن الذين لم يلحقوا بهم في الاستشهاد من غير خوف ، ولا رهبة ، ولا حزن ، بل تلقيا لأسباب المنون بإيمان قوي ؛ لأنها إما الشهادة في عزة وكرامة ، وإما الانتصار وإعلاء كلمة الله تعالى .