( فرحين بما آتاهم الله من فضله ) أي مسرورين بما أعطاهم الله من فضله أي زيادة على ذلك الرزق الذي استحقوه بعملهم فالفضل ما كان في غيره مقابلة عمل كما قال:( ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور ) [ فاطر:30] ( ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ) الاستبشار السرور الحاصل بالبشارة وأصل الاستفعال طلب الفعل ، فالمستبشرون بمنزلة من طلب السرور فوجده بالبشارة كذا قالوا والعبارة للرازي .ويصح أن يكون معنى الطلب فيه على حاله ، والذين لم يلحقوا بهم هم الذي بقوا في الدنيا .قال الأستاذ الإمام:إنما قال"من خلفهم "للدلالة على أنهم وراءهم يقتفون أثرهم ويحذرون حذورهم قدما بقدم ، فهو قيد فيه الخبر والحث والترغيب والمدح والبشارة وهو من البلاغة بالمكان الذي لا يطاول .والمعنى على الأول ويطلبون البشرى بالذين لم يلحقوا بهم من إخوانهم أي يتوقعون أن يبشروا في وقت قريب بقدومهم عليهم مقتولين في سبيل الله كما قتلوا ، مستحقين من الرزق والفضل الإلهي مثل ما أوتوا ، والمعنى على الثاني أنهم يسرون بذلك عند حصوله .
هذا ما روي في وجه الاستبشار عن ابن جريج وقتادة .وروي عن السدي أن الشهيد يؤتى بكتاب فيه ذكر من يقدم عليه من إخوانه يبشر بذلك فيسر ويستبشر كما يستبشر أهل الغائب بقدومه عليهم في الدنيا .واختار أبو مسلم والزجاج أن الذين لم يلحقوا بهم من خلفهم هم إخوانهم الذين لا يحصلون فضيلة الشهادة فلا ينالون مثل درجتهم وأن استبشارهم بهم يكون عند دخولهم الجنة بعد القيامة قبلهم فيرون منازلهم فيها ويعلمون أنهم من أهلها ، وإن فاتتهم درجة الشهادة لا سيما إذا كان المراد بالذين من خلفهم من جاهد مثلهم ولم يقتل ( فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى ، وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما ) [ النساء:95- 96] والآية الآتية تؤيد كون المراد بمن خلفهم بقية المجاهدين الذين لم يقتلوا .
وقوله:( ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) بدل اشتمال من الذين لم يلحقوا بهم ، أي يستبشرون بهم من حيث إنه لا خوف عليهم .فالخوف والحزن على هذا منفيان عن الذين لم يلحقوا بهم .أو الباء للسببية والمعنى بسبب أنه لا خوف عليهم الخ وحينئذ يحتمل أن يكونا منفيين عنهم أنفسهم ، أي أن الفرح والاستبشار يكونان شاملين لهم بحالهم وبحال من خالفهم من إخوانهم بسبب انتفاء الخوف والحزن عنهم هم حيث هم .كما يحتمل أن يكون المراد نفيهما عن الذين لم يلحقوا بهم أيضا .والمختار عندي أن المراد بنفي الخوف والحزن نفيهما عن الذين لم يلحقوا بهم ممن قاتل معهم ولم يقتل وأن الآية الآتية مفسرة لذلك .والخوف تألم من مكروه يتوقع والحزن تألم من مكروه وقع .وتقدم تفسير هذا التركيب في الجزء الأول راجع تفسير ( إن الذين آمنوا والذين هادوا ) [ البقرة:62] .وقد قيل إن المراد بالخوف والحزن ما يكون في الدنيا وقيل بل المراد ما يكون في الآخرة .ويجوز أن يكون المعنى أنه لا خوف عليهم في الدنيا من استئصال المشركين لهم أو ظفرهم بهم ثانية ولا هم يحزنون في المستقبل البعيد عندما يقدمون على ربهم في الآخرة .فاعرض هذا على الآيات الآتية إلى قوله:( فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين ) .