قوله: ( ولا تحسبن الذين يفرحون بما آتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ) وسبب نزول الآية ما رواه البخاري ومسلم أنه قيل لابن عباس: لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعين .فقال ابن عباس: ما لكم وهذه ،إنما نزلت هذه في أهل الكتاب ،سألهم النبي صلى الله عليه و سلم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره فخرجوا قد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه ،واستحمدوا بذلك إليه وفرحوا بما أتوا من كتمانهم ما سألهم عنه .ثم قرأ ابن عباس ( وإذا أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه ){[661]} .
وروى البخاري أيضا عن أبي سعيد الخدري أن رجالا من المنافقين في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم كانوا إذا خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه و سلم فإذا قام رسول الله صلى الله عليه و سلم من الغزو اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا .فنزلت الآية ( لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أني حمدوا بما لم يفعلوا ) اسم الموصول ( الذين ) في محل نصب مفعول به أول .والمفعول الثاني: ( بمفازة ) والمخاطب هو رسول الله صلى الله عليه و سلم والمعنى المقصود: لا تحسبن يا محمد أولئك الماكرين والمنافقين الخبثاء الذين يفرحون بما فعلوه من تدليس وكتم للحق ليخفوه عن الناس ،والذين يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوه من الوفاء والصدق وإظهار الحق ( فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ) وهو تأكيد .والمعنى لا تحسبنهم ( بمفازة ) أي بمنجاة من العذاب .أي فائزين بالنجاة منه ،بل إن لهم العذاب الأليم ؛لسوء طبعهم وفساد قلوبهم وأخلاقهم إذ يأتون بالفعل الذي لا ينبغي ويفرحون به ثم يحبون من الناس الإطراء والثناء فيصفون بسداد السيرة والاستقامة .