جاء في أسباب النزولكما في مجمع البيانأنَّها «نزلت في اليهود حيث كانوا يفرحون بإجلال النَّاس لهم ونسبتهم إيّاهم إلى العلم ،عن ابن عباس .وقيل: نزلت في أهل النفاق ،لأنَّهم كانوا يجمعون على التخلّف عن الجهاد مع رسول اللّه ( ص ) ،فإذا رجعوا اعتذروا وأحبّوا أن يُقبل منهم العذر ،ويحمدوا بما ليسوا عليه من الإيمان ،عن الخدري وزيد بن ثابت »
ربَّما كان ما ذكر في أسباب النزول منطلقاً للآية في حركتها في حياة الدعوة أمام خصومها من الكافرين والمنافقين الذين يعيشون الفرح الداخلي في ما أتوا به من أعمال تتناسب مع أهدافهم ومخططاتهم المنحرفة ،لأنَّهم يرضون بذلك نوازعهم المعقّدة في الكيد للإسلام والمسلمين ،ولكنَّهمفي الوقت نفسهيريدون أن لا يعرفهم النَّاس بذلك لتبقى لهم امتيازاتهم الاجتماعية التي يحصلون من خلالها على الثقة وحرية الحركة .
[ لا تحسبنَّ الذين يفرحون بما أتوا] مما لا يمنح الإنسان سعادة أبدية بالعمق ،بل يمنحه الكثير من حالات الشقاء النفسي الواقعي على صعيد النتائج ،الأمر الذي يجعله في وهمٍ كبير بما يوحي به إلى نفسه من تصوير الأشياء بغير صورتها الحقيقية ،بحيث يتمثّلها في عكس الصورة ،فيكون فرحه فرحاً بائساً يختزن في داخله الحزن الذي يتحرّك ليتجسّد في مستقبل حياته ،عندما تفاجئه النتائج العملية التي تشغل حياته في مستقبل عمره ،لتكون عاقبة أمره شرّاً .وهذا هو الفرح الوهمي الذي لا يتصل بالحقيقة من قريب أو بعيد ،بل هو متصل بالمنطقة السطحية من النفس ،وهو الذي يرفضه الإسلام ،فإنَّه لا يرفض الفرح الحقيقي العميق المنفتح على اللّه وعلى القيم الروحية والأخلاقية وعلى الحياة في جمالاتها وانطلاقاتها في سنن اللّه الكونية والإنسانية ،بل هو يريد للإنسان أن يعيش مشاعره الطبيعية في الحزن والفرح والألم واللذة بشكلٍ عميق متوازن ،لا يطغى لينحرف فيتجاوز الحدّ ،ولا يسقط ليتجمّد الإنسان أمام عناصر الإثارة في الحياة والإنسان ؛وهكذا كانت مشكلة هؤلاء المنحرفين عن الخطّ ،السائرين في الوهم الكبير ،أنَّهم يفرحون بما أتوا من السيّئات والأساليب الملتوية .
[ ويُحبُّون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا] من الإيمان والإخلاص والارتباط بالحقّ والسير على هداه ،فيحصلون بذلك على الأمن والطمأنينة في مجتمعاتهم ،ويستسلمون للهدوء النفسي والدعة ،ويضحكون في داخل نفوسهم فرحاً بما حقّقوه من الموازنة بين الحصول على ما يريدون من خطط وأهداف ،وما وصلوا إليه من امتيازات وأرباح ومواقع ،ويظنون أنَّهم بمفازة ونجاةٍ من العذاب ،[ فلا تحسبنَّهُم بمفازةٍ من العذاب] فإنَّ اللّه قد يمهلهم ويُملي لهم في الدُّنيا ليزدادوا إثماً ،لينتظرهم في الآخرة الخزي والهوان [ ولهم عذابٌ أليمٌ] .