[ وللّه ملكُ السَّماوات والأرض] فلا يعجزه أحد من هؤلاء لأنَّهم ملكه ،[ واللّه على كلِّ شيءٍ قديرٌ] فلا حدّ لقدرته في كلّ مجال يمكن للقدرة أن تتحرّك فيه ،فما قيمة هؤلاء ؟وما أثرهم في الساحة ؟وما تأثير ألاعيبهم الصبيانيّة ؟إنَّ قدرة اللّه تنتظرهم لتقضي على ذلك كلّه .
القرآن يعرّي المنافقين:
ولكن الآية لا تتجمّد عند هؤلاء ،بل تتحرّك في الاتجاه الواسع للحياة ،لتجعل من هؤلاء نموذجاً حيّاً لهذه الفئة من النَّاس ،التي تعيش الانحراف العملي فكراً وممارسةً وتحبّ أن تذكر بالاستقامة ،وتواجه الواقع بالتآمر والعدوان وتريد أن تُمدح بالإخلاص والمحبّة ،وتتحرّك في طريق الضَّلال وترجو أن يذكرها النَّاس بالهدى ...وهكذا تنطلق هذه الفئة في مجالات الزيف والنفاق ،لتظلّ في لعبها وعبثها وعدوانها من دون أن تفقد شيئاً من امتيازاتها .ويريد القرآن تعرية هؤلاء أمام النَّاس ليكتشف النَّاس أمرهم وواقعهم ،فيبتعدوا عنهم ويحذروهم ،ولا يحقّقوا لهم ما يريدون من الحمد والثناء ،لئلا يسيئوا للحياة باسم الإحسان ؛وذلك بالتدقيق في شخصياتهم في ما يختبئ وراءها من خلفيّات ،والالتفات إلى ألاعيبهم في ما يتحرّكون به من أعمال ،والتأكيد على الموازنة في قضايا المدح بين مدلول الكلمة وصدق الواقع ،على أساس أن يعيش النَّاس أساليب التقييم من موقع الحقّ والصدق لا من موقع المجاملة والمداراة ،فإنَّ ذلك هو الكفيل بإبعاد المنافقين عن ساحة الواقع ،لأنَّها لن تحتضن اللاعبين على الحبال ،بل السائرين على الخطوط الواضحة بقوّة وثبات وإيمان .
وهكذا يتحوّل الموقف من هؤلاء إلى قاعدة صلبةٍ للتعامل مع النَّاس في مجال العلاقات الإنسانية ،فلا مجال للمدح إلاَّ من خلال الفعل الذي يقوم به الإنسان في حياته بالحجم الطبيعي من دون تكبير أو تصغير ،لأنَّ القضية ليست كلمة تُقال ثُمَّ تتبخّر في الهواء ،بل هي صورة الواقع في صورة الإنسان ،في ما يمثِّله من قيمة الحقيقة في حركة الحياة في جانبها السلبي أو الإيجابي ،فإنَّ للزيف تأثيراً عكسياً يختلف اختلافاً كبيراً عن تأثير الصدق والإخلاص في طبيعة الموقف والإنسان .
وفي ضوء ذلك ،نستطيع أن نجد في هذا النموذج من النَّاس ،صورة الكثيرين الذين يحبّون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ،من الشخصيات الدينية والسياسية والاجتماعية ،التي تحبّ أن تعطي لنفسها حجماً أكبر من حجمها الحقيقي وتريد للنَّاس أن يطلقوا عليها ألقاباً كبيرةً لا تتناسب مع دورها الطبيعي في الحياة ،وذلك من أجل أن ترضي زهو العظمة الفارغة في داخل ذواتها ،لتأخذ لنفسهافي نظر النَّاسمركزاً بارزاً ينسجم مع ما توحيه الألقاب من مشاعر وامتيازات ،من دون أن تقدّم للحياة أي شيء في هذا الاتجاه .
إنَّنا نستطيع أن نجد في هؤلاء النموذج المعاصر للصورة التي تريد أن تواجهها الآية بالرفض والإنكار ،لأنَّ الإساءة إلى صورة الواقع في قيمه الحقيقية ،لا تقل شأناً عن الإساءة إلى المبادئ التي تمثِّلها هذه القيم ،مما يكشف عن زيف ما يمثِّلونه من عظمة دينية أو سياسية أو اجتماعية .