قوله تعالى: ( إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيئين بغير حق و يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين ) ذلك حكم الله في الطغاة من الكافرين سواء كانوا من اليهود أو النصارى أو المجوس أو الوثنيين ،أولئك العتاة الجاحدون الذين يكفرون بعقيدة الحق القائمة على التوحيد الخالص ،والذين يجترئون في صلف وعتو وفظاعة على قتل أنبياء الله بغير حق .وكذلك ( الذين يأمرون بالقسط من الناس ) أي الذين يأمرون بالعدل وهم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ،أولئك هم دعاة الحق والهداية .الدعاة إلى طريق الله المستقيم في كل عصر ونصر .ومنهم الدعاة إلى دين الله القيوم في هذا الزمان ... دعاة الإسلام .
إن الذين يجترئون على قتل النبيين ودعاة الإسلام العاملين المخلصين .أولئك هم الأشقياء من شر البشر الذين تجترئ طبائعهم الممسوخة وقلوبهم الجاحدة المريضة على مقارفة العدوان والنكر في أبشع صورة .تلك فظاعة العدوان والنكر في أبشع صورة .تلك هي فظاعة العدوان الصارخ على جلال الله وسلطانه الأعظم بقتل أنبيائه الأطهار وأتباعهم من دعاة الحق ..دعاة الإسلام .
على أن الإسلام في حقيقة أبعاده وشموله يعني الاستسلام لسلطان الله ،والامتثال لأوامره والوقوف عند حدوده ،وأساس ذلك كله عقيدة التوحيد الخالص لله دون سواه من المخاليق .وذلك إنما ينسحب على عامة الأديان السماوية الحقيقية الناصعة من غير أن يعتريها تحريف أو خلط أو تشويه .
وفي ذلك العدوان النكير على النبيين ودعاة الحق روي عن أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أشد عذابا يوم القيامة ؟قال:"رجل قتل نبيا أو من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر "ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم: ( إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيئين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم ) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيا من أول النهار في ساعة واحدة ،فقام مائة وسبعون رجلا من بني إسرائيل فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوهم جميعا من آخر النهار من ذلك اليوم فهم الذين ذكر الله عز وجل "{[431]} .
فإن قيل: ذلك في الذين خلوا من بني إسرائيل إذ كان ديدنهم التقتيل فما جريرة أحفادهم في الأزمان التالية فيما بعد ؟!
والجواب أنهم رضوا عما ورثوه عن آبائهم من تقتيل للنبيين وأتباعهم من الدعاة إلى الله ،فضلا عن براعة يهود في صور التدسس من خلف المجتمعات وهم يتآمرون على البشرية بتدبير المؤامرات والمخططات وأساليب الكيد والإفساد لتدمير القيم والأديان ،وإشاعة الفوضى والرعب ،وكذلك إثارة الفتن والحروب وغير ذلك من وجوه الإبادة والتخريب .
هؤلاء الذين قتلوا أنبياء الله وكادوا للمؤمنين كيدا قد توعدهم الله بالعذاب الموجع البئيس سواء في الدنيا حيث الذلة والصغار ،أو في الآخرة حيث التحريق والاضطرام في السعير الحامية المتأججة ،وذلك في قوله تعالى: ( فبشرهم بعذاب أليم ) والبشرى إذا أطلقت استعملت في الخير ،وإنما تكون للشر إذا قيدت به كهذه الآية والمراد هنا إنذار هؤلاء القوم بالعذاب الأليم{[432]} .