قوله: ( قال رب اجعل لي آية ) أي اجعل لي علامة أستدل بها على وجود الولد مني فأستقبل ذلك بالبشاشة والشكر .
قوله: ( قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا ) لما حملت زوج زكريا بيحيى أصبح لا يستطيع أن يكلم أحدا مع أنه قادر على قراءة التوراة وذكر الله .فإذا أراد مقالة أحد لم يطقه ،أي أنه لم يستطع النطق فأصابه السكوت ولم يكن ذلك من مرض أو خرس أو نحو لك ،بل كان ذلك بتقدير الله وحكمته .فقد طلب الآية ( العلامة ) ليستزيد بها من الطمأنينة .فيكون المعنى بذلك: أتمم علي النعمة بأن تجعل لي آية ،زيادة نعمة وكرامة فقيل له: ( آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام ) أي تمنع من الكلام ثلاث ليال .وقيل: بل كان ذلك على سبيل العقاب له إذ سأل ربه الآية بعد مشافهة الملائكة إياه بما بشرته به ( بيحيى فأخذ بلسانه فبات غير قادر على الكلام ( إلا رمزا ) أي يومئ إيماء .والإيماء الإشارة .وذلك بالشفتين أو الحاجبين والعينين أو اليدين أو نحو ذلك .ورمزا منصوب على الاستثناء المنقطع .
قوله: ( واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار ) بعد أن قال الله جل ذكره لزكريا: ( آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا زمرا ) بغير خرس ولا عاهة ولا مرض ،أمره بذكر الله كثيرا فإنه لا يمنع من ذكره ولا يحال بينه وبين تسبيه إذا أمره بالتسبيح عشيا وإبكارا ،وذلك بتعظيم ربه بعبادته بالعشي ،وذلك من حيث تزول الشمس إلى أن تغيب .وقيل: العشيء والعشية من صلاة المغرب إلى العتمة ،والعشاءان: المغرب والعشاء{[461]} .
والإبكار ،مصدر بكر يبكر ،إذا خرج للأمر في أول النهار .ومنه الباكورة لأول الثمرة .هذا في أصل اللغة ،لكن المراد بالإبكار هنا: ما بين طلوع الفجر إلى الضحى{[462]} .