قوله:{ قال رب اجعل لي آية} أراد آية على وقت حصول ما بُشِّر به ،وهل هو قريب أو بعيد ،فالآية هي العلامة الدالة على ابتداء حمل زوجه .وعن السدي والربيع: آيةَ تحقق كون الخطاب الوارد عليه وارداً من قبل الله تعالى ،وهو ما في إنجيل لوقا .وعندي في هذا نظر ،لأنّ الأنبياء لا يلتبس عليهم الخطاب الوارد عليهم من الله ويعلمونه بعلم ضروري .
وقوله:{ آياتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا} جعل الله حُبْسة لسانه عن الكلام آية على الوقت الذي تحمل فيه زوجته ،لأنّ الله صرف ما لَه من القوة في أعصاب الكلام المتصلة بالدمَاغ إلى أعصاب التناسل بحكمة عجيبة يقرب منها ما يذكر من سقوط بعض الإحساس لمن يأكل البَلاذر لقوة الفكر .أوْ أمرِه بالامتناع من الكلام مع الناس إعانة على انصراف القوة من المنطق إلى التناسل ،أي متى تمت ثلاثة الأيام كان ذلك أمارة ابتداء الحمل .قال الربيع جعل الله ذلك له عقوبة لتردّده في صحة ما أخبره به الملَك ،وبذلك صرح في إنجيل لوقا ،فيكون الجواب على هذا الوجه من قبيل أسلوب الحكيم لأنه سأل آيةً فأعطي غيرها .
وقوله:{ واذكر ربك كثيراً وسبح بالعشي والإبكار} أمر بالشكر .والذِّكر المراد به: الذِّكر بالقلب والصلاةِ إن كان قد سلب قوة النطق ،أو الذكر اللساني إن كان قد نهي عنها فقط .والاستثناء في قوله إلاّ رمزاً استثناء منقطع .