{ قال رب اجعل لي آية} أي علامة تتقدم هذه العناية وتؤذن بها .
ومن سخافات بعض المفسرين التي أومأنا إليها آنفا زعمهم أن زكريا عليه السلام اشتبه عليه وحي الملائكة ونداؤهم بوحي الشياطين ولذلك سأل سؤال التعجب ، ثم طلب آية للتثبت ، وروى ابن جرير عن السدي وعكرمة ان الشيطان هو الذي شككه في نداء الملائكة وقال له إنه من الشيطان .ولولا الجنون بالروايات مهما هزلت وسمجت لما كان لمؤمن أن يكتب مثل هذا الهزء والسخف الذي ينبذه العقل وليس في الكتاب ما يشير إليه ولو لم يكن لمن يروي مثل هذا إلا هذا لكفى في جرحه ، وأن يضرب بروايته على وجهه ، فعفا الله عن ابن جرير إذ جعل هذه الرواية ما ينشر:
{ قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا} قيل معناه أن تعجز عن خطاب الناس بحصر يعتري لسانك إذا أردته ويرجحه أن الآية تكون بغير المعتاد وقيل معناه أن تترك ذلك مختارا التفرغ لعبادة الله ويؤيده قوله:{ واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار} والمشهور الأول .وللمفسرين روايات سقيمة فيه ، منها أن هذه الآية عقوبة عاقبه الله تعالى بها أن طلب الآية بعد تبشير الملائكة ومنها ان لسانه ربا فيه حتى ملأه ومثل هذا السخف لا يجوز ذكره إلا لأجل رده على قائله وضرب وجهه به .وفي إنجيل لوقا أن جبريل قال لزكريا"وها أنت تكون صامتا ولا تقدر أن تتكلم إلى اليوم الذي يكون فيه هذا لأنك لم تصدق كلامي الذي سيتم في وقته ".
وقال الأستاذ الإمام:الصواب أن زكريا أحب بمقتضى الطبيعة البشرية أن يتعين لديه الزمن الذي ينال به تلك المنحة الإلهية ليطمئن قلبه ، ويبشر أهله ، فسأل عن الكيفية ولما أجيب بما أجيب به سأل ربه أن يخصه بعبادة يتعجل بها شكره ، ويكون إتمامه إياها وعلامة على حصول المقصود ، فأمره بأن لا يكلم الناس ثلاثة أيام بل ينقطع للذكر والتسبيح مساء صباح مدة ثلاثة أيام فإذا احتيج إلى خطاب الناس أومأ إليهم إيماء ، وعلى هذا تكون بشارته لأهله بعد مضي الثلاث الليال .واختلفوا في الرمز هل كان بالقول الخفي وتحريك الشفتين أم بغيرهما من الأعضاء كالعينين والحاجبين والرأس واليدين لأن الرمز والإيماء يكون بكل ذلك .والعشي من الزوال إلى الغروب وقيل من الغروب إلى ذهاب صدر من الليل وقال الراغب من زوال الشمس إلى الصباح .والإبكار من الصباح إلى الضحى .