قوله تعالى: ( كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم ) .
جاء في سبب نزول هذه الآية عن ابن عباس أن رجلا من الأنصار ارتد عن الإسلام والتحق بالشرك فندم فأرسل إلى قومه أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم: هل لي من توبة فإني قد ندمت ،فنزلت ( كيف يهدي الله قوما كفروا ) الآية ،وقيل: نزلت في أهل الكتاب من اليهود والنصارى فقد رأوا صفة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في كتبهم وأقروا به وشهدوا أنه حق ،فلما بعث النبي من غيرهم أنكروه وكفروا به بعد إقرارهم وإيمانهم ،وليس ذلك إلا حسدا من عند أنفسهم{[512]} .
على أن ظاهر الآية يدل على عموم المقصود الذي تناول كل من آمن بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وآمن برسالة الإسلام فصدقها تصديقا ،سواء كان ذلك بعد مجيء الإسلام أو كان قبله ،إذ صدقه أهل الكتاب من اليهود والنصارى لما وجدوه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل قبل مولد الرسول وبعثه ،فما إن ولد وبعثه الله للناس حتى ناصية أهل الكتاب الكيد والجحد .
قوله: ( كيف يهدي الله قوما ) استفهام إنكاري ،أي كيف يستحق هؤلاء الهداية من الله بعد أن آمنوا وصدقوا وعرفوا ما أنزل من الحق ،ثم تلبسوا بعد ذلك بالضلالة والكفر ؟!أنى لهم أن يستحقوا الهداية عقيب كفرهم وارتدادهم مع أنهم كانوا قد صدقوا الرسول وشهدوا أنه مرسل من ربه ،ووجدوا فيه من الدلائل والبينات ما يشهد على صدق نبوته ؟
ليس لهؤلاء الفسقة أن يحظوا بهداية الله وترشيده وهم على هذه الشاكلة من الظلم .