قول تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ( 45 ) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ( 46 ) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيرًا ( 47 ) وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} .
هذا تأنيس من الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم وتكريم له ولأمته من بعده .فرسول الله صلى الله عليه وسلم حامل لواء الهداية للبشرية كافة .وقد بعثه الله لهداية العالمين أجمعين إلى يوم البعث والدين .وأمته من بعده قد أُنيط بها أن تدعو الناس جميعا في سائر الأمكنة والأدهار وفي كل الأحوال والأعصار ،إلى عقيدة التوحيد والإذعان لله وحده بالخضوع والامتثال دون غيره من الآلهة المصطنعة ،والطواغيث العتاة ،وتدعوهم إلى منهج الله الذي تضمن من قواعد الحق والعدل والفضيلة والرحمة ما تستقيم به حياة العباد فيكونوا إخوانا متعاونين غير متباغضين ولا متصارعين .وهذه حقيقة ينطق بها المنصفون ،ويعترف بها الصادقون من أولي النباهة والألباب الذي يوقنون أن محمدا صلى الله عليه وسلم حق فقد شهد له القرآن بصدق نبوته ،وشهدت له سيرته المميزة الفضلى التي لا تتجلى بمثل هذا الكمال من مكارم الصفات وحسن الخلال إلا في نبي مرسل مكرم كمحمد صلى الله عليه وسلم .وشهدت له بذلك أيضا الكتب السماوية المتقدمة من قبل أن يأتي عليها التحريف والتزييف من أولي الأهواء والأباطيل من بني إسرائيل .فقد روى الإمام أحمد عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص ( رضي الله عنه ) فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة فقال: أجلّ والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} وحرزا للأمين ؛فأنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخّاب في الأسواق ،ولا يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويغفر ،ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله فيفتح بها أعينا عميا وآذانا صُمّا وقلوبا غُلْفا .
وروي عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) قال: لما نزلت{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} وقد كان أمر عليّا ومعاذا ( رضي الله عنهما ) أ يسيرا إلى اليمن فقال:"انطلقا فبشرا ولا تنفرا ،ويسرا ولا تعسرا "إنه قد أنزل عليّ{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} هذه الأسماء: شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا وسراجا ،كلها منصوبات على الحال{[3753]} أنا صاانعة بشيء
قوله:{شاهدا} أي شاهدا لله بالوحدانية وأنه الحق الذي لا إله غيره .أو تشهد على الناس بأعمالهم يوم القيامة .
قوله:{ومبشرا} أي تبشّر المؤمنين برحمة الله بهم وبما أعده لهم من حسن الجزاء{ونذيرا} من الإنذار وهو التبليغ ولا يكون إلا في التخويف{[3754]} أي تنذر الكافرين والعصاة الذين لجّوا مستكبرين فتُخوفهم من وبيل العقاب في النار .